الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

في أي سن يبدأ حساب الإنسان على عمله ؟

215045

تاريخ النشر : 20-07-2014

المشاهدات : 218333

السؤال


أنا بنت مسلمة أبلغ من العمر تسعة عشر عاما ، لكني أعيش حياة أشعر فيها دائما بالذنب ، ليس من الناحية الاجتماعية ، ولا المادية ، ولكن من الناحية النفسية . والسبب في ذلك هو أنني في صغري ( قبل بلوغي وبعده لمدة ثلاث سنوات ) ارتكبت ذنوبا لا يمكن لأحد تخيل مدى فظاعتها ، ولو علم بها أحد لتركت وحيدة في هذه الدنيا ، أو على الأقل لم يحترمني أحد . المشكلة أني ما أزال أتذكرها ، وعند تذكري لها لا أتحملها ، مع أني بفضل الله قد تبت منها ، لكن لا أستطيع نسيانها أبدا ، والذي يزيد شعوري بالذنب أن هناك من يعلم بهذا الذنب ، وقد فضحت أمامه وأنا صغيرة ، مما يجعلني أتمنى لو لم أولد حتى لا يعيرني أحد ، بالرغم أنهم لا يعيروني حتى لا أفضح أمام والدي ، لكني متأكدة أنهم يذكرون ذنبي جيدا . أنا أعلم جيدا مدى رحمة ربي سبحانه وتعالى ، وأنه سبحانه وتعالى قد منَّ عليَّ بالهداية ؛ لأنه يحبني - أحتسب ذلك - ، لكن هذا الشعور لا يمكن لحضرتكم تخيل كم يؤذيني ، ويجعلني أبكي بكاءً هستيريا أمام نفسي ، خاصة وأني يراودني الشعور بالذنب على أي فعل فعلته صغيرا أو كبيرا بطريقة غير طبيعية ، حتي أني أحس أنني لا أتحمل الذنب - أعوذ بالله - ، لكن والله هذا ما يحدث معي ، والنتيجة أني أحيانا أستحي من الله أن أطلب طلبا لنفسي ، حيث إن هناك شيء أريده بشدة من الله ، وأتمنى أن يتحقق ، ولكني أحيانا كثيرة أستصغر نفسي على الدعاء بهذا الشيء ، وأنا مذنبة بهذه الطريقة ، بالرغم أني على دراية أن الشيطان هو من يحجبني عن الدعاء ، لكن في نفس الوقت أستحي أن أطلب من ربي شيئا أراه أنه خير كبير لي لو حدث . وكنت أود أن أعرف منذ متى يحاسب الإنسان على أفعاله ؟ مع العلم أني كنت على علم وأنا مرتكبة لهذا الذنب أنه خطأ ، لكني كنت لا أعي مدى حجمه وفظاعته .

الجواب

الحمد لله.


جميل أن يرزق المسلم قلبا رقيقا وجلا من ربه عز وجل ، يتحسس زلـَله وتقصيره في جنب الله ، ويتأسى على ما فرط منه في سابق أيامه وزمانه ، فذلك علامة قبول ، وأمارة فضل من الله عز وجل ، فقد أثنى الله سبحانه على من هذا حاله فقال عز وجل : ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) الحج/35 .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ) "رواه الترمذي (2406) وحسنه ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولكن يمكن أن تنقلب هذه النعمة إلى نقمة أو خطيئة أخرى ، إذا لم يراع العبد أيضا ما أمر الله عز وجل به ، في حال الخوف وحال الرجاء ، وحال الطاعة والمعصية أيضا ، فإذا تمكن اليأس والقنوط من القلب بسبب شدة الخوف ، صار ذلك ذنبا جديدا ، وإذا وقع العبد في سوء الظن بالله، أو بدأ يتقاعس عن العبادة والدعاء وانقطع رجاؤه من الله عز وجل ، فليتأكد حينئذ أن الشيطان تمكن منه ، ودخل إليه من باب جديد ، والعاصم من جميع ذلك هو الاستقامة على الحال التي أثنى عليها الله في القرآن الكريم ، وهي حال الخوف من الله ، من غير أن يؤول المقام إلى حد الوسواس أو الإحباط أو الاكتئاب عن كل أمل في حياة سعيدة في الدنيا والآخرة .
يقول الله سبحانه : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23.
هذا فضلا عن أن سعة رحمة الله ولطفه بعباده اقتضت أن لا يحاسب ابن آدم حتى يبلغ سن الاحتلام ، وهو سن الخامسة عشرة ، أو هو السن الذي تظهر عليه علامات البلوغ من نبوت شعر العانة ، أو إنزال المني ، أو الحيض للنساء ، فكل ما يقع قبل هذا السن لا حساب عليه ولا عذاب ، وإنما يؤاخذ به بين الناس تربية وتأديبا ، قال صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه أبوداود (رقم/4403) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
يقول الإمام ابن المنذر رحمه الله :
" أجمع أهل العلم على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل " .
انتهى من " الإشراف على مذاهب العلماء " (7/227) .
فإذا كان ما وقع منك من ذنب إنما وقع قبل البلوغ فلا موجب لكل ما سبق في سؤالك من حزن وأسى وهم وغم ، وأما إذا وقع بعد البلوغ فالواجب عليك حفظ الفارق بين الخوف المحمود من الله سبحانه وتعالى ، وبين الخوف المذموم الذي يؤدي إلى اليأس والقنوط أو ترك الدعاء والعبادة ،
ثم اعلمي أنك إن لم تلتزمي بما بيناه من هذا الفارق المهم فأنت تعيدين الإثم من جديد ، وتقعين فيما هو أعظم وأشنع من إثمك القديم ؛ لأن هذا الإثم يتعلق بظنك بالله سبحانه ، واعتقادك في صفاته وما أخبر به عن نفسه في كتابه الكريم ، أما الآثام العملية فغالبا ما يكون الدافع إليها شهوة أو هوى ، وهذا ذنب أخف وأيسر ، وإن كان كل ذنب في جنب الله كبير .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب