الحمد لله.
سئل الإمام ابن تيمية السؤال التالي :
يتفضل الشيخ الإمام , بقية السلف , وقدوة الخلف , أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب , تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية بأن يبين لي أرجح المكاسب .
فأجاب رحمه الله تعالى :
أما أرجح المكاسب : فالتوكل على الله , والثقة بكفايته , وحسن الظن به .وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يأثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : ( كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ) . وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع , فإنه إن لم ييسره لم يتيسر ) إنما صح نحوه من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . - انظر : السلسلة الضعيفة رقم 1362 - .
وقد قال الله تعالى في كتابه : ( واسألوا الله من فضله ) وقال سبحانه: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات .
ولهذا والله أعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل المسجد أن يقول : ( اللهم افتح لي أبواب رحمتك ) وإذا خرج أن يقول : ( اللهم إني أسألك من فضلك ) وقد قال الخليل صلى الله عليه وسلم : ( فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له ) وهذا أمر , والأمر يقتضي الإيجاب . الاستعانة بالله واللجوء إليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم .
ثم ينبغي له أن يأخذ المال بسخاوة نفس ليبارك له فيه , ولا يأخذه بإشراف وهلع , بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه من غير أن يكون له في القلب مكانة , والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء . وفي الحديث المرفوع . رواه الترمذي وغيره ( من أصبح والدنيا همه شتت الله عليه شمله , وفرق عليه ضيعته , ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له , ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله , وجعل غناه في قلبه , وأتته الدنيا وهي راغمة ) . وقال بعض السلف : أنت محتاج إلى الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج , فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاماً . قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) .
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك , فهذا مختلف باختلاف الناس , ولا أعلم في ذلك شيئاً عاماً , لكن إذا عنَّ للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم , فإن فيها من البركة ما لا يحاط به . ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية .
تعليق