الحمد لله.
حيث إن أخاك سوّر حديقته بهذا السلك المكهرب ثم مات بسببه ، فهو في حكم من قتل نفسه خطأ ، وقد اختلف العلماء فيمن قتل نفسه خطأ هل تجب الكفارة في ماله أم لا ؟ وهل تجب الدية فتدفع إلى ورثته أم لا ؟
جاء في " الموسوعة الفقهية " (19/165) : " مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّ مَنْ قَتَل نَفْسَهُ خَطَأً لاَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ وَلاَ تَحْمِل الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ [العاقلة هم الأقارب الذكور من جهة الأب ، ويسمون العصبة] ، لأِنَّ عَامِرَ بْنَ الأْكْوَعِ بَارَزَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهُ ......
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْكَفَّارَةِ : فَقَدْ قَال الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ: تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لاَ تَجِبُ ؛ لأِنَّ الْكَفَّارَةَ مَشْرُوطَةٌ بِعَدَمِ الْقَتْل ، فَإِذَا حَصَل الْقَتْل بَطَل الْخِطَابُ بِهَا كَمَا تَسْقُطُ دِيَتُهُ عَنِ الْعَاقِلَةِ لِوَرَثَتِهِ " انتهى .
والراجح - والله أعلم - : أن من قتل نفسه خطأ فلا تجب الدية بقتله ولا تجب الكفارة في ماله ،
وقد بوب البخاري رحمه الله لحديث عامر بن الأكوع رضي الله عنه بقوله : " بَابُ إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلاَ دِيَةَ لَهُ " انتهى من " صحيح البخاري " (9/ 7) .
قال ابن بطال رحمه الله :
" اختلف العلماء في من قتل نفسه ، فقالت طائفة: لا تعقل العاقلة أحدًا أصاب نفسه بشيء عمدًا أو خطأ ، [أي لا تتحمل العاقلة ديته] هذا قول ربيعة ومالك والثورى وأبى حنيفة والشافعي. وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: ديته على عاقلته ... وحديث سلمة بن الكوع حجة للقول الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب له دية على عاقلته ولا غيرها، ولو وجبت على العاقلة لبين ذلك ؛ لأن هذا موضع يحتاج إلى بيان ، وأيضًا : فإن الدية إنما وجبت على العاقلة تخفيفًا على الجاني فإذا لم يجب على الجاني لأحدٍ شيء لم يحتج إلى التخفيف عنه ، وجعلت الدية أيضًا على العاقلة معونة للجاني فتؤدى إلى غيره، فمحال أن يؤدى عنه إليه " .
انتهى ملخصا من " شرح صحيح البخاري " (8/ 519-520) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" من قتل نفسه خطأ فلا دية ولا كفارة عليه ، ولا يجب شيء من ذلك على أحد من قرابته ، والأصل في ذلك ما ثبت في البخاري (4196) وغيره من حديث سلمة بن الأكوع في قصة عامر بن الأكوع مع مرحب اليهودي قال : " فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول ساق يهودي ليضربه ، ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر [أي طرف ركبته الأعلى] فمات ، قال سلمة : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ قَالَ: مَا لَكَ قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَذَبَ مَنْ قَالَهُ ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ ، وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ، فدل الحديث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت عن إيجاب الدية والكفارة على عامر وعلى أحد من قرابته ، وقد أجمع العلماء على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على عدم الوجوب " .
انتهى من " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم " (11/ 368) .
وعلى هذا : ليس على أحد من قرابته شيء ، ويستحب لكم أن تكثروا له من الدعاء .
والله أعلم .
تعليق