الحمد لله.
ثم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه : أن لطف بك ، وعصمك من الخطيئة مع هذا الشاب ، رغم أن الظروف كانت مواتية ، والنفوس مائلة ؛ لكن الله سلم .
فإذا علمت عظيم نعمة الله عليك في عصمتك من الفاحشة ، وصون دينك وعرضك ، وعلمت نعمته عليك ـ أيضا ـ في أنك قد تجاوزت مع زوجك المحنة الأولى ، وتخطى حالة البطالة والتعطل في أول أمره ، وصار رجلا مسؤولا ، يبحث عن قوته وقوت أولاده ، وعلمت ـ ثالثا ـ نعمة الله عليك بالولد ، وكم من الناس من حرم ذلك ؛ فإن حق هذه النعم الكثيرة عليك أن تشكريها يا أمة الله ، فما حفظت نعمة بمثل شكرها ، ولا زالت نعمة بمثل كفرانها .
تذكري ـ يا أمة الله ـ أن حبك الأول لزوجك ، بغض النظر عن تلك الحال الأولى ، والكلام عليها ، وتذكري أن زواجك به : كان عن حب ورغبة ، أفيليق بك ، وأنت الآن زوجة ، أن تهملي تلك المشاعر جانبا ، لقد كانت موجودة في الوقت الخطأ ؛ حسنا قد فات ذلك الزمان ؛ أفليس من العقل والحكمة ، والعاطفة أيضا : أن تحيي تلك العواطف مع زوجك ، في الوقت المناسب ، والمطلوب ؟!
إن عليك ـ يا أمة الله ـ أن تعلمي أنه لا كامل من البشر ، ولا أحد مبرأ من النقص والخطأ ؛ وحينئذ ، فكل عيب في زوجك ، سوف تجدين له مثيلا ، أو نظيرا ، أو قريبا عند غيره ؛ كل رجل تقدرينه : سوف يكون عنده من الأخطاء ما استتر عليك ، والسعيد من رضي بقسمة الله له ، وحمد نعمة الله عليه ؛ وإن كان ذا خطأ ؛ فكلنا ذوو خطأ .
فاجتهدي في أن تتحببي إلى زوجك ، قدر ما يمكن الزوجة العاقلة الحكيمة المحبة لزوجها أن تفعله ، واجتهدي في لم شملك معه ، واطو صفحة الماضي بكل ما فيها ، واقطعي كل ما من شأنه أن يذكرك بذكريات الأليمة معه ، أو ذكرياتك مع ذلك الرجل البعيد ، واقصري نفسك ، وقلبك ، وبصرك ، وشغلك كله : على زوجك ، وأولادك ، وبيتك .
واعلمي أختنا أنه ليس من وسيلة للثبات أعظم من الالتجاء إلى الله سبحانه ، والافتقار إليه بالدعاء : أن يحميك ، ويحمي قلبك وبصرك وجوارحك من الحرام ، ومن الوقوع في الزلل ، واعتصمي بالله ، هو مولاك ، وهو الملجأ والمعاذ .
قال الله تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ) الأعراف/200-202.
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أي : أي وقت ، وفي أي حال ( يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ ) أي : تحس منه بوسوسة ، وتثبيط عن الخير ، أو حث على الشر ، وإيعاز إليه . ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) أي : التجئ واعتصم بالله ، واحتم بحماه فإنه ( سَمِيعٌ ) لما تقول . ( عَلِيمٌ ) بنيتك وضعفك ، وقوة التجائك له ، فسيحميك من فتنته ، ويقيك من وسوسته ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) إلى آخر السورة.
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان ، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب الله عليه ، وما عليه من لوازم الإيمان ، فأبصر واستغفر الله تعالى ، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة ، فرد شيطانه خاسئا حسيرا ، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه .
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم ، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب ، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب ، ولا يقصرون عن ذلك ، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء ؛ لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.". انتهى من "تفسير السعدي" .
وقال تعالى ـ أيضا ـ : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/36.
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أي : أي وقت من الأوقات ، أحسست بشيء من نزغات الشيطان ، أي : من وساوسه وتزيينه للشر ، وتكسيله عن الخير ، وإصابة ببعض الذنوب ، وإطاعة له ببعض ما يأمر به ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) أي : اسأله ، مفتقرًا إليه ، أن يعيذك ويعصمك منه ، ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فإنه يسمع قولك وتضرعك ، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته ". انتهى من "تفسير السعدي" .
ومع أننا نظن أن ما يمر بخاطرك وقلبك ، إنما هي وساوس ، وهواجس ، ونزغات من الشيطان الرجيم ، لن تلبث أن تزولي عنك سريعا ، إن شاء الله ، متى شغلت نفسك بأمر بيتك ، وأولادك ، وزوجك وأسرتك ، وملأت وقتك بالنافع من القول والعمل ، وقلبك بشغل الخير ، والتفكير فيه ، فإنه لو قدر أن الأمر وصل إلى درجة التعلق والعشق ، فإن دواء ذلك : بقطع الطمع فيه ، والتطلع إليه ، وقصر النفس والقلب والفكر على ما أعطاك الله من الحلال الطيب .
وتأملي هذا الكلام البديع ، لابن القيم رحمه الله :
" وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه ، قدرا أو شرعا ، أو هو ممتنع عليه من الجهتين ، وهو الداء العضال ، فمِن علاجه : إشعار نفسه اليأس منه ، فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ، ولم تلتفت إليه .
فإن لم يزُل مرض العشق مع اليأس ، فقد انحرف الطبع انحرافا شديدا ؛ فينتقل إلى علاج آخر ، وهو علاج عقله : بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله : نوع من الجنون ، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس ، وروحه متعلقة بالصعود إليها والدوران معها في فلكها ؛ وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين ...
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء : فليتذكر قبائح المحبوب ، وما يدعوه إلى النفرة عنه ؛ فإنه إن طلبها وتأملها : وجدها أضعاف محاسنه التي تدعو إلى حبه ، وليسأل جيرانه عما خفي عليه منها ، فإن المحاسن كما هي داعية الحب والإرادة ؛ فالمساوئ داعية البغض والنفرة ، فليوازن بين الداعيين ، وليحب أسبقهما وأقربهما منها بابا ...
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ، وليطرح نفسه بين يديه على بابه ، مستغيثا به ، متضرعا متذللا مستكينا .
فمتى وفق لذلك : فقد قرع باب التوفيق .." ا.ه من "زاد المعاد" (4/251) .
وينظر : جواب السؤال رقم : (45520).
يسر الله لك أمرك ، وأصلح لك زوجك ، وجمع بينك وبين زوجك في خير .
والله أعلم .
تعليق