الحمد لله.
لشراء الذهب من البنك ثلاث صور فيما يبدو :
الأولى :
أن يكون الذهب غير متوفر لدى البنك ولا مملوكٍ له ، وإنما يتم - فقط - تقييده في حساب العميل بالمصرف .
ففي هذه الحال لا يجوز شراء الذهب من البنك ؛ لأن شرط بيع الذهب وشرائه : أن يتم قبضه، وقبض ثمنه بالعملة المتفق عليها ، في مجلس العقد .
وفي هذه الصورة لا يوجد قبض للذهب ، بل هو غير مملوك
للبنك أصلاً .
فكل ما في الأمر أنه يشتري ذهباً ويدفع ثمنه ، ثم يتم تسجيله في حسابه ، وإذا أراد
البيع : يبيع ما قُيِّد في حسابه من ذهب ، وهكذا ، دون وجود حقيقي لمعدن الذهب ،
فالعملية تتم على رصيد رقمي من الذهب في حساب العميل .
وفي الحديث : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ
بِالْفِضَّةِ ..... مِثْلا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا
اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا
بِيَدٍ ) رواه مسلم (2970).
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يدا بيد ) يدل على أنه إذا بيع الذهب بالنقود
، فإنه يشترط التقابض من البائع والمشتري ، قبل أن يتفرقا في مجلس العقد .
قال ابن المنذر : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا
قبل أن يتقابضا : أن الصرف فاسد " انتهى من "الأوسط" (10/197) .
وهذه الصورة ، للأسف ، هي حال أغلب البنوك التي تتعامل بالذهب بيعا وشراءً ، ولذلك ينبغي لمن أراد التعامل بتجارة الذهب مع أي من البنوك التأكد ـ بنفسه ـ من وجود حقيقي للذهب لدى البنك ، يوازي ما يقوم ببيعه على الناس .
الثانية :
أن يكون الذهب مملوكاً للبنك وموجوداً لديه ، وإذا قام العميل بشرائه يقوم البنك
بفرزه ، وتسجيله باسم العميل الخاص ، سواء عن طريق رقم السبيكة ، أو غير ذلك من
الطرق التي يتم من خلالها تعيين وتمييز ذهب هذا العميل عن غيره .
ففي هذه الحال لا حرج من شراء الذهب من البنك ، ويكون هذا التقييد والفرز بمثابة
القبض الحقيقي.
الثالثة :
أن يكون الذهب مملوكاً للبنك وموجوداً لديه ، ولكن عند شراء العميل له : لا يتم
فرزه باسم العميل ، وإنما يتم تقييده باسمه في حسابه فقط ، دون تعيين القطعة
الذهبية المشتراة .
فهذه الصورة محل احتمال وتردد :
فقد يقال : إن التقييد المصرفي كافٍ عن القبض الحقيقي ؛ لأن القبض راجع إلى العرف ،
فما عده الناس قبضاً فهو قبض ، والعرف المصرفي يَعُدُّ هذا قبضاً .
وكما كان القيد المصرفي قبضاً في تبادلات العملات الورقية ، فهو قبض في شراء الذهب
والفضة ، فكلاهما معاملة صرفية ، يشترط فيها التقابض في مجلس العقد .
وقد جاء في قرار "المجمع الفقهي" برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :
" يعتبر القيد في دفاتر المصرف : في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى ،
سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف ، أو بعملة مودعة فيه ".
انتهى من " قرارات المجمع الفقهي الإسلامي " صــ 264.
وقد يقال : إن الذهب والفضة لا ينطبق عليهما ما قيل من
الاكتفاء بالقيد المصرفي للعملات الورقية ، لسببين :
1- لأنها أعيان مقصودة لذاتها ، وقيمتها في ذاتها ، ولا تَحْصُل آثار القبض إلا
بقبض أعيانها ، بخلاف النقود الورقية ، فإن قيمتها اعتبارية ، والمعول عليه هو
القيمة الاسمية لها ، ولذا فهي لا تختلف باختلاف ذواتها ، ولا فئاتها ، إذا كانت من
عملة واحدة .
2- ولأن آثار القبض الحكمي تظهر في الأوراق النقدية ، من حيث تمكُّن العميل من
التصرف فيها مطلقاً ، لتوافرها في مكائن الصرافة ، وفروع البنوك كافة ، بخلاف الذهب
الذي لا يتوافر كثيراً في المصارف ، ولا يتاح له مطلق التصرف فيه بأي وقت شاء ، وقد
لا يتمكن من سحبه متى أراد ، مما يُضعف حكم القبض الحكمي هنا .
وهذا القول أوفق بالأصول ، وأحوط ، وأبرأ للذمة ؛ لما
في ذلك من البعد عن الشبهات ، ومن توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، لاسيما
ونحن لسنا على يقين من أن البنوك تمتلك الذهب الذي تبيعه للعميل حقيقة .
والله أعلم .
تعليق