الحمد لله.
هنا مسألتان :
المسألة الأولى : حكم بناء القبر للحاجة .
الأصل حرمة تجصيص القبور و البناء عليها ؛ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ؛ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ " رواه مسلم ( 970 ) .
لكن إن كانت هناك ضرورة حقيقية للبناء كأن يكون القبر في مكان لا تتماسك تربته ، وإذا لم يبن القبر يتهدم وتنكشف الجثة : ففي هذه الحالة أجاز أهل العلم البناء بمقدار الحاجة فقط ، من غير تجميل أو تزيين .
والله تعالى يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16 .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى : " نعم إن خُشي نبش أو حفر سبع أو هدم سيل لم يكره البناء والتجصيص بل قد يجبان " انتهى من " تحفة المحتاج " ( 3 / 196 ) .
وجاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة " ـ المجموعة الثانية ـ (7/386) :
" بناء القبر من البلك المصنع من الإسمنت وتغطية القبر بألواح إسمنتية خلاف السنة ،
والأفضل أن يسد القبر باللبن ؛ لما ذكر ، لكن إذا دعت الحاجة لذلك نظرا لطبيعة
الأرض فلا بأس به " .
المسألة الثانية : حكم نقل
جثة الميت من قبره إلى قبر آخر لمصلحته :
إذا كان بقاء جثة الميت في مكانها يؤدي إلى الإضرار بها ، فقد رخص أهل العلم في نقل
الجثة إلى مكان مناسب لها ، لهذه الحاجة .
و قد بوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه ؛ " باب هل يخرج الميت من القبر واللحد
لعلّة ؟ " ، وروى حديثا عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمَّا
حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : مَا أُرَانِي إِلاَّ
مَقْتُولاً فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنِّي لاَ أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ ،
غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ
عَلَيَّ دَيْنًا ، فَاقْضِ ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا . فَأَصْبَحْنَا ،
فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ
نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً ، غَيْرَ أُذُنِهِ " البخاري ( 1351
) .
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى : " ولا بأس بحفر القبر وإخراج الميت منه ،
إذا كان ذلك لوجه مصلحة ، ولم يكن في ذلك إضرار به ، وليس من هذا الباب نبش القبور
، فإن ذلك لوجه الضرر ، أو لغير منفعة " انتهى من " المنتقى شرح الموطأ " (3/225) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا ينبش الميت من قبره ، إلا لحاجة ؛ مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت
، فينقل إلى غيره ، كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 24 / 303 ) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن
باز ، رحمه الله :
" ما حكم الشرع في نظركم يا سماحة الشيخ في نقل عظام الميت من مكان إلى مكان آخر ،
بغرض بناء القبر من الطوب اللبِن إلى الطوب الأحمر ؟ " .
فأجاب رحمه الله :
" لا يشرع هذا ، إذا دفن الميت على الوجهة الشرعية : فالحمد لله ، لا حاجة إلى نبشه
، ولا حاجة إلى تغيير اللبِن من نوع إلى نوع .
أما إذا كان دفن في محل غير مناسب : على الطريق ، أو محل تأتي فيه السيول ، أو ما
أشبه : ينقل من المحل إلى المقبرة العامة ، إلى محل بعيد عن الخطر ، على العادة
التي يدفن عليها الناس ، يوضع في لحده ويوضع عليه اللبن ، ثم يهال عليه التراب
كغيره من الموتى .
أما أنه ينبش : من أجل تغيير اللبِن ، أو تغيير كذا : فهذا لا أصل له ، بل يترك على
حال دفنه ، ما دام قد دفن على الطريقة الشرعية " انتهى من " فتاوى نور على الدرب "
(14/179) .
وينظر : جواب السؤال رقم : (126400).
والله أعلم .
تعليق