الحمد لله.
أولاً :
الأصل في الشروط التي تكون بين الزوجين أو بين الزوج والولي عند عقد النكاح : أنها ملزمة يجب الوفاء بها على الراجح من كلام أهل العلم , إذا لم تكن مخالفة للشرع .
لما رواه البخاري (2721) ، ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج ) .
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم : (172200) ، والفتوى رقم (108806) .
وسبق في الفتوى رقم : (144593) أن الشروط المخالفة لكتاب الله لا يجوز اشتراطها ، ولا يجب الوفاء بها .
مع التنبيه على أن الشروط المعتبرة في الزواج هي ما كان في صلب العقد أو قبله ، لا ما كان بعده , وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (186240) .
ثانياً :
الشروط التي تكون عند عقد النكاح أقسام :
1- فمنها شروط من مصلحة المرأة الخاصة ، كأن يشترط وليها إكمال دراستها ، أو أن لا
يتزوج عليها ، أو أن يأتي لها بخادمة ، ونحو ذلك .
فمثل هذا الشرط - ولو شرطه الولي- فإن من حق المرأة أن تسقطه ؛ لأنه حقها وقد
تنازلت عنه , والأصل أن حقوق النكاح وواجباته ترجع إلى الزوجين .
جاء في " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم " (10/146) : " اشتراط الزوجة أو
وليها على الزوج أن لا يخرجها من دارها أو من بلدها : شرط صحيح لازم يتعين العمل به
... ؛ لكن إن رضيت الزوجة بالانتقال معه فالحق لها ، وإذا أسقطته سقط " انتهى.
ويراجع الفتوى رقم : (10343) .
2- شروط لمصلحة المرأة
الشرعية ، كأن يشترط الولي أن لا يسافر بها إلى بلد فجور ، أو أن لا يدخل إلى البيت
قنوات المنكرات ، ونحو ذلك .
فلو أسقطت المرأة هذا الشرط : سقط ، وليس من حق الولي فسخ النكاح بسبب إخلال الزوج
به بعد إسقاط المرأة له ، ولكن عليه النصيحة والدعوة ، وإذا كان الأمر خطيراً رفع
الأمر للقضاء.
وتبقى مسألة جواز إسقاط هذا الشرط من قبل المرأة وعدمه : من الأمور الراجعة لدين
المرأة ، فقد تأثم في بعض الصور ديانةً وإن كان الشرط يسقط قضاءً .
3- شروط لحاجة الولي ومصلحته
، كأن يشترط سكناها بقربه وخدمتها له ، أو أن لا يسافر بها بعيدا عنه لكبره وعجزه
وحاجته لها .
فمثل هذا الشرط يجوز لها إسقاطه لكن إذا كان الولي المشترط هو الأب ورضيب الزوجة
بهذا الشرط : فيجب عليها الوفاء به ، ولا يجوز لها إسقاطه شرعاً وتأثم بذلك ؛ لأن
هذا واجب عليها تجاه أبيها .
ولكن إن أسقطته عن الزوج سقط عنه ، ولم يكن للولي المطالبة بفسح النكاح بسبب
الإخلال به.
وقد سألت شيخنا عبد الرحمن البراك عن هذه المسألة ، فأجاب بسقوط الشرط ، وقال : "
الشروط التي يشترطها الولي هي شروط لها ؛ لأن الولي يتكلم نيابةً عنها ، ولكن إذا
كان الولي هو الأب فمن حقه وحسن الأدب معه مشاورته في ذلك .
وإذا كان هذا الشرط تتعلق به حاجة الأب ورضيت به عند العقد ، فإذا أسقطته : سقط مع
إثمها ؛ لأنه يؤدي إلى نوعٍ من العقوق .
وإذا كان الشرط لمصلحتها الشرعية ، فليس لوليها المطالبة بالفسخ بعد إسقاطه ،
وتنازلها عن الشرط يرجع إلى دينها .
وإذا شرط الأب استمرارها في العمل على أن يأخذ جزءا من راتبها : فلها إسقاط هذا
الشرط كذلك ؛ لأن الراتب حق للزوجة ، وليس للأب ولا للزوج " انتهى .
والحاصل :
أن الأصل في الشروط التي يمليها وليُّ المرأةِ أن تكون صيانةً لها ، وحفظاً لحقِّها
، وبما يعود بمصلحتها ، ويدفع عنها الضررَ ، فإن قامت المرأة بإسقاطها : جاز ؛ لأن
الحقَّ في تلك الشروط إنما هو لها لا يعدوها ، فجاز لها أن تتنازل عنها أو عن بعضها
حسب ما تقتضيه مصلحتُها ، ويتأكد هذا فيما إذا كان الشرطُ فيه إجحافٌ بها ، أو
يضرها ، أو يسقط حقها ، أو فيه مفسدة شرعية ، فلها في ذلك كلِّه الحق في إسقاطه .
والله أعلم .
تعليق