الحمد لله.
أولاً :
لا ييأس الشيطان من ابن آدم أن يقطع عليه الطريق ، إن لم يكن من جهة المعاصي والموبقات ، فمن جهة العقائد والطاعات ، حتى لو تَعَلَّم المسلم عقيدة صحيحة فإن الشيطان يحرص على أن يحولها من كونها عقائد منتجة دافعة إيجابية ، إلى عوامل تثبيط وإحباط ويأس ووسواس ، فتنقلب بذلك حياة المسلم شقاءً ، وقد كان المفترض أن ترتقي سعادة ونجاحا وهناء .
وهذا ما وقع لك ، فهِمْت الأمر على غير وجهه ، وبالغت في الاسترسال مع المخاوف التي لا مبرر لها ، وساعدك على ذلك الأحداث التي تقع في بعض البلاد الإسلامية ، فخرج بك الحال إلى وضع مرضي طارئ ، لا بد أن تعملي على علاجه فورا ، ومن غير تردد ولا تأخير .
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بعلامات الساعة وعلِمَها أصحابُه رضي الله عنهم ، ومع ذلك لم يُصَب هو ولا أصحابه الكرام بمثل ما أصابك .
ثانيا :
المقصود من العلم بأشراط الساعة معرفة قرب الساعة ثم يتبع ذلك حسن الاستعداد لها ، بطاعة الله ، بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، بحسن الخلق ، بحسن تربية الأولاد ، بالصبر على ما يصيب المسلم في هذه الحياة الدنيا من مصائب ... إلخ .
ولا ينبغي أن يثمر العلم بها يأسا وإحباطا وسوء خلق وقلة صبر .
والمسلم التقي هو الذي يطيع الله تعالى ويحسن الظن به سبحانه ، ويتفاءل وينتظر الخير في مستقبله ، ولا يبالغ في الخوف مما سيأتي كي لا يخسر حاضره بخوف موهوم ، ولكي لا يخالف هدي نبينا عليه الصلاة والسلام ، وهو أتقى الناس وأخشاهم لله ، وعنده من العلم ما خفي علينا فقال : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ) رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) ومع ذلك عاش حياة مليئة بالعمل ، مفعمة بالجد والاجتهاد ، شعارها الإقبال على الله سبحانه ، وحسن الظن به ، والإيمان بسعة رحمته وفضله وكرمه ، وأن الرحمن الرحيم ، الجواد الكريم ، الرؤوف اللطيف ، أرحم بنا من أنفسنا ، لن يكلنا إلى ضعفنا وعجزنا ، بل يمنحنا الصبر والتحمل لما كتب علينا من البلاء، وعزاؤنا جميعا أننا إلى الجنة صائرون بإذن الله ، وبها نلتقي بجميع أهلنا وأحبابنا ، ونسعد سعادة لا نشقى بعدها أبدا ، ولكن لنحسن العمل ، ولنتق الله في أيامنا ، في أعمالنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وعباداتنا ، وحينها لا يضرنا في أي لحظة قامت علينا قيامتنا .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم – وهو قدوتنا – كان يدخر لأهله قوت سنة من الطعام ، وكان يأكل الطعام ويستطيبه ، ويضاحك أصحابه ، ويتزوج النساء ، ويتزين للضيوف والوفود ، ويشاهد لعب الحبشة بسيوفهم ، ويلاعب أحفاده كالحسن والحسين ، ويسابق زوجته عائشة رضي الله عنها ، ويزور أصحابه وجيرانه ، ويرسل الجيوش ، ويمارس الحياة اليومية التي تليق بمثله عليه الصلاة والسلام . وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم من علم الساعة ومخاوفها ما لا نعلم نحن .
لكن علمه صلى الله عليه وسلم كان علما إيجابيا ، ولم يكن سلبيا . فالنصيحة لك أن تجعلي ذلك العلم نافعا لك ، فيدفعك إلى مزيد من طاعة الله وإلى مزيد من حسن الخلق وتربية الأولاد والاعتناء بهم وبالزوج .
والتوسط والاعتدال في الأمور هو سبب كل خير ، فالغافل عن الآخرة ، والذي يبالغ في الخوف منها حتى يقع في اليأس والقنوط كلاهما مخطئ ، والمتوسط الذي دفعه ذلك الخوف إلى حسن العمل وحسن الظن بالله هو المصيب الموفق للخير .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق