الحمد لله.
بداية ينبغي أن يُعلم أن من وضع شرطا هو من يُطالَب بالدليل عليه ، فمن قال : يشترط لمن أراد التزوج بزوجة ثانية ، يشترط أن يخبر الأولى أو زوجاتِه الأخرياتِ ، فمَن قال هذا هو المطالَب بالدليل ، وليس من ينفي هذا الشرط ؛ لأن من ينفي الشرط موافق للأصل ، فالأصل عدم الشرط ، وليس وجوده . سيما وقد نص الشارع على جملة شروط في الزواج ، ولم يذكر منها إخبار زوجته الأولى . وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل أنه كان يستأذن أحدا من نسائه ، وكذا أصحابه رضي الله عنهم تزوجوا وعدَّدُوا ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه استأذن ، وهذا كافٍ في تقرير هذا الحكم شرعا .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رضا الزوجة الأولى لمن أراد الزواج بأخرى فأجابت : " ليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى ، لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر ، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسّر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك " . انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 19/53 .
والأولى أن يخبرها وأن يرضيها قبل أن يتزوج عليها ، لما يترتب عليه من مصالح حسـنة ، وليكون الأمر مقبولا ، لكن هذا ليس على سبيل الوجوب .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا كان الرجل يريد أن يتزوج زوجةً أخرى فهل يشترط أن يستأذن امرأته الأولى وما الحكم لو تزوج بدون علمها ؟
فأجاب رحمه الله : " أعتقد أنه لو استأذن منها لأبت أن يتزوج ، ولكن ليس من شرط النكاح أن يستأذن الزوجة الأولى بل حتى لو استأذنها وأَبَتْ فله الحق أن يتزوج ، ولكن مع هذا أرى أنه ينبغي أن يشاورها ويقنعها حتى تقتنع بذلك وتطمئن ، ويبين العلة التي من أجلها يريد أن يتزوج ، فإذا جاءتها الزوجة الجديدة جاءتها وهي على اطمئنانٍ بها وعلى علمٍ بها وعلى رضىً بها ، وحينئذٍ يمكن أن تعيش الزوجتان عيشةً حميدة بدون تنافرٍ ولا تباغض ، فمن أجل مراعاة هذه الفوائد ينبغي أن يستأذنها ويخبرها ، وأما أن يكون ذلك واجباً فليس بواجب " .
فسئل الشيخ": لو أخفى عنها هذا الزواج ؟
فأجاب : " لا حرج عليه " . انتهى . فتاوى نور على الدرب – موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وأما قولك : كيف يأتي الدين بمثل ذلك ، وأنه ليس من الصدق ؟
فالجواب : أن الزوج قد يخفي ذلك لعلمه أن زوجته الأولى لن تقبل بهذا الزواج . ومعها المجتمع الذي ينكر هذا الحكم الشرعي ، ويُتهم الزوج حينئذ بالخيانة وعدم الوفاء لزوجته الأولى ، وغير ذلك من التهم الكاذبة .
وقد كان إخبار الزوجة الأولى في كثير من الأحيان سببا في إلحاق الضرر ببيت الزوج ، فيفضل الزوج إخفاء الأمر حرصا منه على أسرته .
فسبب الإخفاء هو رد بعض المجتمعات لهذا الحكم الإلهي ، لدرجة أن بعض الزوجات قد ترضى بأن يعاشر زوجها امرأة أخرى في الحرام ولا يتزوج عليها !!
فهذا الجهل من أكبر أسباب لجوء الزوج إلى إخفاء الأمر .
فإذا أخفاه عنها حرصا على مصلحتها ومصلحة أولاده منها وأسرته ، فما العيب في ذلك ؟
والله تعالى أعلم
تعليق