الحمد لله.
أولا :
اعلمي أن طريق الالتزام ليس سهلا ، وهو طريق الأنبياء والمرسلين ، والمسلم لابد أن يلاقي ويواجه صعوبات في طريق التزامه ، فعليك أن تتحلي بالصبر ، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حُفَّت الجنة بالمكاره ، وحُفَّت النار بالشهوات) رواه مسلم ( 2823 ) ، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد لقوا من أقوامهم بل من أقرب الناس إليهم الأذى والمضايقة فكان جزاء صبرهم أن جعل الله العاقبة لهم ، وأسأل الله أن تكون عاقبتك حميدة .
واعلمي أيضا أن ما تقومين به من نصح أهلك أمر محمود ومشكور عند الله ، فحذار أن تيأسي ، وليكن ذلك باللين والموعظة الحسنة ، مع إظهار الأخلاق الحميدة وطيّب الأفعال والأقوال ومد يد العون والإحسان إليهم ؛ فإن هذا له تأثير كبير ، وهو من أنجح الوسائل للدعوة إلى الله ، ولا بأس بالاستعانة بمن تريه مناسباً بالتأثير عليهم لعل الله أن يهديهم ويصلح حالهم .
ثانيا:
الأصل للمرأة قرارها في بيتها ، وألا تخرج منه إلا لحاجة ، قال تعالى : (وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب
/ 33 .
وليس لوالديك إجبارك على العمل ، لكن الذي ينبغي لك أن تتلطفي في الرد عليهما ،
وتتوددي إليهما ، لعل الله أن يهديهما .
وإن رأيتِ إرضاءهما في الحصول على عمل يناسب طبيعتك ، ولا يخل بشيء من التزامك
بدينك ؛ فهو أفضل برا بهما وإحسانا إليهما ، قال الشيخ محمد الصالح العثيمين : "
المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء
كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما
أشبه ذلك.." .
انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 981).
ولعل ذلك يعزز وضعك بين أهلك ، وتكوني سندا لوالديك في تحسين وضعهم المادي ، وتغدقي
على إخوتك بالهدايا ، ويصبح تأثيرك أكبر عليهم ؛ فيقبلون منك النصح والتوجيه .
لكن ذلك مشروط بأمرين :
الأمر الأول : ألا يكون في عملك هذا مخالفة شرعية ، كأن يعرضك للاختلاط بالرجال ،
أو الخلوة ببعضهم ؛ فإن كانت طبيعة العمل في بلدك تقتضي ذلك : فليس لك أن تقدمي
عليه ، إرضاء لوالديك ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
الثاني : ألا يؤثر ذلك على دينك ، وينقص طاعتك ، ويضعف إيمانك ، وإن كان في أصله
عملا مباحا .
ويكفي أن تعرفي ذلك بتجربتك السابقة ، وقياس حالك بين الأمرين : التفرغ للطاعة ،
والعمل ، في حين أنه ليس هناك سبب يضطرك إليه .
ثالثا:
عليك بنصح إخوتك بالتي هي أحسن ، خاصة تارك الصلاة منهم ولا شك أن الرفق واللين في
النصيحة له أثر كبير على النفوس ، وهو أدعى للقبول ، قال - صلى الله عليه وسلم - :
(يا عائشة ، ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ، ولا نزع من شيء قط ، إلا
شانه ) رواه أبو داود (2478) ، وهذا هو الواجب عليك : النصيحة باللسان ، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، قدر طاقتك .
وأما ما ذكرت من إتلاف عباءة أختك : فلا يجوز فعله ؛ لأنه ـ أولا ـ لن يترتب عليه شيء من تغيير المنكر ، بل متى تلفت على تلك الحال ، فسوف يأتون لأختك ببدلها ، وربما يزيد عنادهم ، فيلبسوها ما هو شر منها ؛ وهذا كله فضلا عما يترتب على ذلك من أذاهم لك ، وإساءتهم إليك ، وتضييقهم عليك ؛ فليس من الحكمة في شيء أن تتصرفي على هذا النحو .
وأخيرا
أختي الكريمة أكثري من الدعاء للوالدين ولأخوتك بالهداية والصلاح ، واعلمي أن
الهداية من الله ، وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،
فكرري النصح ولا تستعجلي النتائج .
والله أعلم .
تعليق