السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

هل من التكبر تلقيب المرء نفسه بالدكتور ؟

219578

تاريخ النشر : 04-11-2014

المشاهدات : 27120

السؤال


أليس من التكبر أن يلقب المسلم نفسه بـ " الدكتور " ، ويضع كلمة " الدكتور " أمام اسمه عند الكتابة ، مثل الدكتور فلان بن فلان ، أليس من التكبر أن يفخر بشهادة الدكتوراة في أي سلك كان ، هندسة ، أو علوم ، أو طب ؟ أليس من التكبر أن يضيف إلى اسمه كلمة " الدكتور " ولو كان حاصلا على شهادة الدكتوراة في الهندسة مثلا أو أية علوم أخرى ؟ أم له الحق أن يلقب نفسه بالدكتور بعد عناء طويل وجهد لسنوات طوال في الدراسة ؟

الجواب

الحمد لله.


تلقيب الشخص نفسه بـ " الدكتور " يختلف حكمه بحسب السياق والمقام :
أولا :
إذا جاء في سياق التعريف بنفسه في مقام يحتاج فيه إلى التعريف ، كما هو الشأن في تأليف الكتب مثلا ، وكتابة الأبحاث ، والمشاركة في المؤتمرات والندوات ، وتقديم البرامج النافعة على الفضائيات ، ونحو ذلك من المقامات التي تقتضي التعريف بالنفس ، حتى تكتمل صورة الاعتماد العلمي ، والاعتراف بالتخصص المراد الحديث عنه .
ففي هذه الحالة لا بأس بتقديم الشخص نفسه باسم " الدكتور فلان "، ولا حرج أن يكتب على جلدة مؤلفه حرف (الدال) يرمز به لشهادة " الدكتوراة ". وذلك لأسباب عدة :
السبب الأول :
أن محذور التكبر والخيلاء ضعيف في هذا المقام ، وإن كان يرد في قلوب بعض الناس ، لكن ملحظ " التعريف المجرد " ههنا قوي أيضا ، ويقصده كثير من العلماء في هذا الحال ولا ضير .
السبب الثاني :
أن الفقهاء والعلماء في القديم والحديث ما زالوا يعرفون عن أنفسهم بذكر أسماء بلدانهم أو قبائلهم ، وبذكر مذاهبهم التي ينتسبون إليها ، ولا يجدون حرجا في ذلك ، رغم ما فيه من احتمال التعصب للمذهب ، أو التفاخر بالأصل والفصل ، ولكنهم غلبوا الجانب التعريفي المحض في هذا السياق على الملحظ الممنوع . ولا فرق بين هذه الأوصاف التي استعملها العلماء سابقا في التعريف عن أنفسهم ، وبين وصف " الدكتور " الذي يدل على مرتبة علمية معينة .
السبب الثالث :
أن لقب " الدكتور " فقد كثيرا من دلالته العلمية لصالح دلالته التراتبية المحضة ، بمعنى أن حامل هذا اللقب قد تسلسل في مراحل التعليم ، وقطع أشواطا منه إلى ما يسمى بالدكتوراة ، ولا يعني أن حامل هذا اللقب عالم بتخصصه ، فهو وصف مجرد للمرحلة ( التعليمية ) ، وليس للمرحلة ( العالمية ) ، وفرق بين الوصفين .
بل نقول ـ أيضا ـ : إن هذا اللقب ، لشهرته ، وكثرته : قد فقد كثيرا من "بهجته" ، ومكانته الاجتماعية ، بما يضعف جانب المحذور في ذكره ، جدا .
السبب الرابع :
أن أسماء العلماء والفقهاء والفضلاء الذين لقبوا أنفسهم بهذا اللقب في مؤلفاتهم وأبحاثهم ومشاركاتهم كثيرة لا يمكن حصرها ، ولم يعد ذلك مستنكرا ولا مستغربا ، كما لم يعد هذا المقام علامة على كبر أو خيلاء والحمد لله .
يقول الزمخشري رحمه الله :
" قل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب ، ولم تزل في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير ، غير أنها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها " انتهى من " ربيع الأبرار " (2/482) .
ثانيا :
أما إذا استعمل لقب " الدكتور " في سياق مبالغ فيه ، فيصير حامله لا يتحدث عن نفسه إلا مقترنا بهذا اللقب ، ويسمي نفسه به في المقام الذي يحتاجه فيه والمقام الذي لا يحتاجه ، ويطالب كل من حوله بالمحافظة عليه في ندائه أو خطابه ، أو يتسمى به على وجه الفخر والخيلاء في قلبه ونفسه – وكل امرئ حجيج نفسه - ، فهذه بعض الأمارات على كراهية هذا اللقب ، وظهور ملحظ الخيلاء فيه ، وإساءة استعمال من حامله ، وهنا لا بد من التذكير بالتواضع ، ولين الجانب ، وهضم الجناح ، وترك كل أسباب أمراض القلوب والنفوس .
يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" إن مبدأ هضم النفس ، واللصوق إلى الأرض ، ونحوهما من مكارم الأخلاق ، من حلية المسلمين عامة ، وأهل العلم والمعرفة منهم خاصة ، ليحس المسلم بانخفاض مستواها عند من يأنف من أن يدعى باسمه مجردا من هذا اللقب ، ومن يلفظ به عندما يعرف بشخصه ، أو يرمز به في محرراته.
وهذا مسلك مناهض لآداب أهل العلم والمعرفة كافة .
ويستطيع الناظر في كتب التراجم عندما ينعم النظر في السير والرجال أن يتجلى له بوضوح مظهر الانطباع بروح التواضع والافتقار ، ونتيجة لهذا فلن يرى من يلقب نفسه بما كان يستحقه من لقب علمي ، أو لقب تزكية في حياته وزمانه ، بل سيرى مواقف الأنفة من ذلك ، وهذا منتشر في كتب النقلة للسير والرجال .
فهذا الإمام المحدث أبو إسحاق السبيعي لما قال له شخص : أأنت الشيخ أبو إسحاق ؟ قال : لا أنا أبو إسحاق .
وفي ترجمة القاضي أبي البركات الحنبلي ، المتوفى سنة (886هـ) ، كما في " ذيل رفع الإصر " للسخاوي قال : " وألزم الموقعين بالمنع من مزيد الألقاب له ولأبيه ولجده ، وأمرهم بالاقتصار على قاضي القضاة لكل منهم ، وقال : هذا وصف صحيح " .
انتهى من " تغريب الألقاب العلمية " (ص/314 من المجموعة العلمية) .
هذا وقد شدد الشيخ بكر أبو زيد النكير على من يتلقب بـ " الدكتور " مطلقا، في صفحات طويلة وأوجه عديدة ، (ص318-334 من الرسالة السابقة) .
ولكن الذي نراه أولى وأوفق للصواب هو التفصيل السابق .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب