الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

يريد طلاق امرأة أجبره والداه على الزواج منها , لينتظر الزواج من امرأة متزوجة يحبها بعد أن تفارق زوجها

219682

تاريخ النشر : 12-08-2014

المشاهدات : 18847

السؤال

تزوجت منذ بضعة أشهر ، وأعيش الآن في السعودية ، بينما زوجتي تعيش في باكستان ، ولم أدخل بها منذ أن تزوجتها ؛ لأن هذا الزواج فُرض عليّ من قبل أبوي فرضا ، وهي كذلك لا ترغب بي . إنني أحب امرأة أخرى ، متزوجة ، كان بيني وبينها علاقة سابقة ، لم تصل الى الزنا - والعياذ بالله - ، ولست أشجعها على ترك زوجها ، بل هي من تريد تركه ؛ لأنها غير سعيدة معه ، وستتركه عاجلاً أم آجلا، لأسباب شخصية لا علاقة لي بها على الإطلاق ، ومع هذا قررنا إنهاء علاقتنا من أجل الله تبارك وتعالى ، وأن ننتظر إلى إن نتزوج ، وقد تبنا - ولله الحمد - ، ولا أخفيكم أني ما زلت أحبها حباً جماً ، وقد قطعت لها عهداً بأن أنتظرها إلى آخر يوم في حياتي ، فإن كتب الله لنا لقاء واجتماعاً في هذه الدنيا فبها ونعمة ، وإلا فالموعد الآخرة . وأسئلتي الآن هي : - هل يجوز شرعاً أن تنتظر امرأة متزوجة وأن تكرس نفسك من أجلها رغم أنك متزوج ؟ - هل يصح أن ادعو الله بأن يجمعني بها في هذه الدنيا على خير وبركة ؟ - أعلم جيداً أن لزوجتي الحالية حقوقا عليّ لا يصح التفريط بها لكن لكون هذا الزواج فرض علينا فرضاً ، فإني أرى أن من الخير لكلينا أن أطلقها ؛ حتى تتزوج برجل آخر تسعد معه ، وتعيش حياة هنيئة ، أمّا أنا فأعلم من نفسي أني غير قادر على الوفاء بحقوقها . فما رأيكم ؟ وهل هناك أسباب منطقية أخرى لمفارقتها من وجهة نظركم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا:
ما حدث من أبويك حين أجبراك على الزواج من امرأة لا تريدها أمر لا يجوز , إذ لا يحق للوالدين ولا لأحدهما أن يجبر ولده على الزواج ممن لا يريد ، وليتأمل الوالد الذي يريد أن يفعل ذلك في حاله ، هل كان يقبل أن يجبره أحد والديه على الزواج ممن لا يريد ؟ بالطبع لا , فليس ذلك من مصلحة الولد في شيء ، فإن الزواج إذا لم يكن عن رضى تام ، فإنه عرضة للفشل .
وإذا رفض الابن أو البنت تنفيذ رغبة الأب ، ورفض النكاح ممن يريده الأب ، فإنه لا يكون عاقاً بذلك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " :وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، فإن امتنع لا يكون عاقاً ، كأكل ما لا يريد " انتهى من "الاختيارات" (ص 344) . .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ما الحكم إذا أراد الأب أن يزوج ابنه من امرأة غير صالحة ؟ وما الحكم إذا رفض أن يزوجه من امرأة صالحة ؟
فأجاب "لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها ، سواء كان لعيب فيها : ديني أو خُلقي أو خلقي ، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدوهن ، لكن يقول : تزوجها لأنها ابنة أخي ، أو لأنها من قبيلتك ، وغير ذلك ، فلا يلزم الابن أن يقبل ، ولا يجوز للوالد أن يجبره عليها .
كذلك لو أراد الولد أن يتزوج بامرأة صالحة ، ولكن الأب منعه ، فلا يلزم الابن طاعته ، فإذا رضي الابن زوجة صالحة ، وقال أبوه : لا تتزوج بها ، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه ، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شيء لا ضرر على أبيه فيه ، وللولد فيه منفعة ، ولو قلنا : إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شيء حتى ما فيه منفعة للولد ، ولا مضرة فيه على الأب : لحصل في هذا مفاسد ، ولكن في مثل هذه الحال : ينبغي للابن أن يكون لبقاً مع أبيه ، وأن يداريه ما استطاع ، وأن يقنعه ما استطاع " .
انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " (2/640، 641) ، ترتيب أشرف بن عبد المقصود .
ثانيا:
من حق زوجك عليك أن تعاشرها بالمعروف , وأن تحسن صحبتها ما دامت في عصمتك , وأن تعطيها جميع حقوقها ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من الآية 228 ، وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها صحبة جميلة ، بكف الأذى ، وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها بحقها ، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ، ومكان ، وحال ، ما يليق به" .
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص132 ) .

فإن لم تستطع إعطاءها حقوقها من العشرة الحسنة : فسرحها بالمعروف ، وتخلص من عذابك بها ، وعذابها بك ؛ قال تعالى : ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) البقرة/ من الآية 231 .

ولكن تنبه قبل الإقدام على الطلاق إلى أمر مهم نبه عليه القرآن الكريم , وهو أنك إن كنت تكره زوجتك لعدم التوافق بينكما ، فقد يجعل الله سبحانه في إمساكها وعدم طلاقها خيراً عظيماً عميماً ، إذا تجاوزت الماضي بما فيه ، وجاهدت نفسك على إعطائها حقوقها ، وتقبلتها ، وتقبلتك ؛ فقد تُرزق أنت بسبب تدينها ، وطاعتها ، ودعائها ، وقد تُرزق منها بذرية صالحة طيبة ، تكون لك ذخراً في الدنيا ، والآخرة ، قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ من الآية 19 .
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله : " وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم ، مع إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم ، في الدنيا والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 ) .
ثالثا:
أما تعلقك بهذه المرأة المتزوجة فأمر لا بد من مجاهدته جهادا كبيرا , وقطع ما عسى أن يترتب عليه من تعاملات ظاهرة , فلا تنشغل بها , ولا تتدخل في أمورها , ولا تتواصل معها , ولا تنتظر منها قليلا أو كثيرا , خصوصا وأنه قد كان بينكما قبل زواجها أمور فيها معصية لله سبحانه وتعد لحدوده , فلا تأمن أن يستدرجكما الشيطان فتنتكسا في السوء مرة أخرى .
وأما انتظارها عسى أن تتاح لك فرصة للزواج منها دون أن تتدخل للإفساد بينها وبين زوجها فأمر لا ننصحك به , فربما تستمر حياتها مع زوجها ولا تنفصل عنه بطلاق ونحوه , فتظل أنت تكابد مرارة الصبر وحرارة الترقب فيضيع منك العمر عبثا وتفوتك فرصة الزواج وهذا أمر لا يُقْدم عليه عاقل إذ لا مصلحة فيه .
بل إن ما ذكرته من أنك قطعت لها عهدا أن تنتظرها ، مع أنها متزوجة : هو تخبيب واضح ، وإفساد لها على زوجها ، خاصة وبينهما من النفرة أو المشكلات ، كما ذكرت أنت ما بينهما ، فكم من زوجة تصطبر على ما تلاقيه من زوجها ، وترى أو وجودها معه خير ، ولا تفكر في أن تنفصل عنه ، لأنها لا ترى حلا آخر ، وترضى بقدرها ؛ حتى إذا ما بدا لها أمل أو طمع ، أنها متى تركته وجدت غيره : سعت في التطلق منه ، لتتزوج بمن رغبته .
وينظر حكم زواج الرجل بامرأة تطلقت لأجله : جواب السؤال رقم : (84849) .

وأما الدعاء بأن يرزقك الله سبحانه الزواج منها ، وهي متزوجة : فلا يجوز ؛ لأن فيه اعتداء على حق زوجها ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (138396).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب