الحمد لله.
التصوير الفوتوغرافي من المسائل التي اختلف أهل العلم في حكمها , فبعضهم يجعله مباحا ؛ لأنه لا مضاهاة فيه لخلق الله سبحانه , بل هو من قبيل حبس الظل كظهور صورة الشخص في المرآة إذا نظر إليها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في " شرح رياض الصالحين"(6 / 178): " وأما الصور التي تلتقط التقاطا بالآلة المعروفة ، آلة التصوير الفوتوغرافية ، فهذه من المعلوم أنها لم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمعروف في عهده إنما هو التصوير باليد الذي يضاهي به الإنسان خلق الله عز وجل , أما هذه الآلة فغير معروفة ، وليس الإنسان يصورها بيده ويخططها ، يخطط الوجه مثلا ، والعينين ، والأنف ، والشفتين ، وما أشبه ذلك , لكنه هو يلقي ضوءًا معينا تقدمت به معرفة الناس فتنطبع هذه الصورة في ورقة ، وهو لم يحدث شيئا في الصورة , لم يصورها إطلاقا , وإنما التقطت هذه الصورة بواسطة الضوء ؛ فهذا لا شك ، فيما نرى ، أنه لم يصوِّر، غاية ما هنالك أن الصورة طبعت بالورقة ، فكان الذي بالورقة هو خلق الله عز وجل ، يعني هذه الصورة هي الصورة التي خلقها الله ، والدليل على ذلك أن الإنسان لو كتب كتابا بيده ، ثم صوره بالآلة ، آلة التصوير ، فإنها إذا طلعت الصورة لا يقال : إن هذا هو كتابة الذي حرك الآلة ، وصوَّر (الشخص القائم بالتصوير) ، بل يقال هذا كتابة الأول الذي خطه بيده ، فهذا مثله " انتهى .
وبعض أهل العلم يجعل التصوير الفوتوغرافي من قبيل التصاوير المحرمة التي جاءت النصوص بتحريمها والنهي عنها , وهذا هو المفتى به في الموقع , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (13633) , والفتوى رقم : (102988) .
وعلى هذا القول : فإنه لا
فرق في ذلك بين الصور الملونة ، وغير الملونة التي هي باللونين الأبيض والأسود ,
لأن العلة في تحريم التصاوير هي مضاهاة خلق الله سبحانه .
وقد روى البخاري (5954 ) ، ومسلم (2107) واللفظ له ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها
قالت : "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ ،
وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا
عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ،
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ
وِسَادَتَيْنِ ) .
والمضاهأة ، معناها : المشابهة .
قال القرطبي في تفسيره (8 / 118) " قوله تعالى: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) "
يضاهؤن" : يشابهون، ومنه قول العرب: امرأة ضهياء للتي لا تحيض , أو التي لا ثدي
لها، كأنها أشبهت الرجال " انتهى.
وجاء في " فتح الباري " (10 / 387) :" ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ) أَيْ يُشَبِّهُونَ مَا
يَصْنَعُونَهُ بِمَا يَصْنَعُهُ اللَّهُ " انتهى.
وإذا ثبت أن العلة هي المضاهأة ، فلا فرق بين الأبيض والأسود ؛ لأن كليهما مضاهأة
ومشابهة لخلق الله , وإن كانت المضاهأة والمشابهة في الصور الملونة أبلغ .
والله أعلم .
تعليق