السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

كيف نساعد والد المتوفى ليتوقف عن البكاء؟

219995

تاريخ النشر : 16-11-2014

المشاهدات : 53800

السؤال


والدي بعد وفاة أخي لا يريد أن يتوقف عن البكاء ، بالرغم من أنه يوجد مدة علي الوفاة ، ويتحجج بأن البكاء رحمة ؛ فماذا نفعل معه حتي يتوقف عنه ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
مصيبة الموت ؛ مصيبة لا مفر منها ، وهي امتحان لنا لنعمل الصالحات ، ونحسن أعمالنا ؛ لننال جزاءنا ويرضى الله عنا .
والحزن والبكاء على موت قريب ، لا سيما إن كان ابناً : أمر جائز إذا كان على وجه العادة ، ولم يكن مصحوبا بنياحة أو تسخط ، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم ، وقال : ( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) رواه البخاري (1220) ، ومسلم (4279) .
والبكاء على الميت رحمة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما مات أحد أحفاده وهو في حجره صلى الله عليه وسلم ، بكى ودمعت عيناه ، فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه وقد ظن أن أي بكاء على الميت ممنوع : " مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) رواه البخاري (5223) ، ومسلم (1532) .

وهنا نحتاج أن نعرف متى يكون البكاء على الميت رحمة ، فيكون ممدوحا ؟ ومتى يكون مذموما؟ ومتى يكون مباحا ؟

أما البكاء المباح : فهو الذي يقع من الشخص نتيجة حزن القلب ، من غير تعمد ولا مبالغة . يكون الدافع عليه رحمة ذلك الميت والشفقة عليه ، فقد عانى سكرات الموت ، وعاين الملائكة ، وانقطع عمله ، وأقبل على أمر عظيم لا سبيل للفكاك منه ، نسأل الله تعالى السلامة والعافية .
فيتفكر الإنسان في ذلك فتفيض عيناه رحمة وشفقة على ذلك الميت ، فهذا هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (هَذِهِ رَحْمَةٌ) .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث المتقدم : " قوله : (هَذِهِ رَحْمَةٌ) أَيْ : الدَّمْعَة أَثَر رَحْمَة ، أَيْ أَنَّ الَّذِي يَفِيض مِنْ الدَّمْع مِنْ حُزْن الْقَلْب ، بِغَيْرِ تَعَمُّد مِنْ صَاحِبه وَلَا اِسْتِدْعَاء : لَا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْجَزَع وَعَدَم الصَّبْر" انتهى .
وقال النووي رحمه الله : " مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيع أَنْوَاع الْبُكَاء حَرَام ، وَأَنَّ دَمْع الْعَيْن حَرَام ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ فَذَكَرَهُ ، فَأَعْلَمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّد الْبُكَاء وَدَمَعَ العين : لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوه ، بَلْ هُوَ رَحْمَة وَفَضِيلَة ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّم النَّوْح وَالنَّدْب ، وَالْبُكَاء الْمَقْرُون بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيث : ( أَنَّ اللَّه لَا يُعَذِّب بِدَمْعِ الْعَيْن وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْب وَلَكِنْ يُعَذِّب بِهَذَا أَوْ يَرْحَم وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه ) ، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر : ( الْعَيْن تَدْمَع وَالْقَلْب يَحْزَن وَلَا نَقُول مَا يُسْخِط اللَّه )" انتهى.

وأما البكاء المذموم فهو الذي يكون فيه شيء من النياحة ، أو الندب ، أو يستدعيه الإنسان ويبالغ فيه ، فيدل على جزعه وعدم صبره .
وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا جميعا قد مات جميع أولاده الذكور والإناث في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها ، فما سمعنا أنه بكى عليهم دهرا طويلا ، أو أنه كلما تذكرهم بكى ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر زوجته خديجة رضي الله عنها ، وقد كان يحبها حبا عظيما ، فكان يثني عليها ، ويذكر مواقفها معه ، رضي الله عنها ، ولم يكن يبكي كلما ذكرها ، مع شدة حبه لها .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا فعله ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21 .
قال ابن قاسم رحمه الله في "حاشيته على الروض المربع " (3/153) :
"ويجوز البكاءُ على الميت إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة ، فإن أخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة ، أو أنه كثرة البكاء ، والدوام عليه أيامًا كثيرة ، فالبكاء المباح ، والحزن الجائز هو ما كان بِدَمْع العين ، ورقة القلب، من غير سخط لأمر الله ...
والاعتدال في الأحوال ، هو المسلك الأقوم ، فمن أصيب بمصيبة عظيمة ، لا يفرط في الحزن، حتى يقع في المحذور، من اللّطْمِ والشق ، ولا يفرط في التجلد ، حتى يفضي إلى القسوة ، والاستخفاف بقدر المصاب ...
فالبكاء على الميت على وجه الرَّحْمَةِ : حسن مستحب ، ولا ينافي الصبر ، بل ولا الرضي، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه " انتهى .
ثانيا :
مما يعين والدكم على الصبر : أن تذكروه بثواب الصابرين ، ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وروى الترمذي (942) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ) حسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1408) .
واقرأ على والدك هذا الحديث ، ليعلم أن ثوابه في الصبر والرضى عن الله : خير له من بقاء ذلك الابن حيا ، وأن الله لا يقضي للمؤمن قضاء إلا وهو خير له .
مات ابن صغير لأحد الصحابة رضي الله عنه ، وقد كان ذلك الصحابي يكثر من مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب ذلك الطفل ، فلما مات حزن عليه أبوه حزنا شديدا ، حتى منعه ذلك الحزن من حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل ، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم : فَقَالَ : ( مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا ؟ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ) ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم كلاما يحثه به على الصبر والتحمل ويبين له أن ذلك القضاء خير له ، فماذا قال له ؟
قَالَ : ( يَا فُلَانُ ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ : أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ ؟ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، قَالَ : فَذَاكَ لَكَ ) . رواه النسائي (2061) وصححه الألباني في " أحكام الجنائز " .

ثالثا :
عليكم أن تساعدوا والدكم في الخروج مما هو فيه ، فدائما تجلسون معه وتحادثونه ، ولا تتركوه وحيدا ، فيذكره الشيطان بموت أخيك ليجعله دائما حزينا ، فإن حزن المسلم مما يسعى إليه الشيطان ويفرح به : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا ) المجادلة/10.
اصحبوه إلى المسجد ، أو إلى زيارة قريب أو جار أو مريض ، حتى لا يكون عنده فراغ يتسلل الشيطان من خلاله .

نسأل الله تعالى أن يلهمكم الصبر والرضى ، وأن يعوضكم عما أصابكم خيرا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب