الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

يقترضون من البنك بفائدة وتتكفل الوكالة التابعة للحكومة بدفع الفائدة

220231

تاريخ النشر : 26-07-2014

المشاهدات : 39431

السؤال


يوجد في بلدي وكالة لدعم مشاريع الشباب بصيغة تمويل ثلاثية ، يساهم فيها كل من صاحب المشروع ب 1 بالمئة ، والوكالة 29 بالمئة بدون فائدة ، والبنك ب 70 بالمئة ، بالاشتراك مع صندوق ضمان القروض ، بعد الموافقة على هذا المشروع يتم تحويل الملف إلى البنك ليقوم بتمويل عملية شراء هذا العتاد ، ويتم استدعاء صاحب المشروع للتوقيع على عقد التمويل الذي ينص على ما يلي : يتعهد صاحب المشروع بسداد مستحقات البنك في أجل أقصاه 8 سنوات . في العام الأول لا يترتب على صاحب المشروع أي فوائد يدفعها للبنك ، لكن بعد بدء العام الثاني يقوم البنك بزيادة نسبة من الفوائد على المال الذي دفعه في تمويل المشروع يقوم بدفعها صندوق ضمان القروض المذكور سابقا ، ولا يدفع صاحب المشروع أي فلس زائد عن مبلغ التمويل .

فهل مباشرة هذا التمويل سيوقع صاحب المشروع في أكل الربا ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا يختلف الحكم في تحريم القرض بفائدة بين أن يكون باذل الفائدة المحرمة هو المقترِض أو طرف خارجيٌ ، ما دامت المنفعة مشروطة في عقد القرض ، ويعود نفعها للمقرِض.
وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شُرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " .
انتهى من " المغني" (6/436) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُقْرِضَ مَتَى اشْتَرَطَ زِيَادَةً عَلَى قَرْضِهِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/334) .
وقال ابن جُزي رحمه الله : " فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة للدافع مُنع اتِّفَاقًا " .
انتهى من " القوانين الفقهية " (ص: 190) .
وهذا عام ، لا فرق فيه بين أن يكون باذل الزيادة هو المقترض أو غيره ، ولا شك أن الصورة المذكورة قد شُرط فيها زيادة ربوية على القرض وأن البنك فيها يعتبر آكلا للربا .
بل قد ذكر بعض أهل العلم صورا يكون باذل المنفعة فيها غير المقترض ، ومع ذلك حكموا بالمنع فيها .
ومن ذلك : لو أن رجلاً له على آخر عشرة دنانير حلَّ أجلها وهو معسر ، فقال طرف ثالث : أخره وأنا أسلفك عشرة دنانير .
قَالَ الإمام مَالِكٌ : " إنْ كَانَ الَّذِي يُعْطِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ : فَلا خَيْرَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا لَهُ : فَلا بَأْسَ بِهِ " انتهى .
ومقصوده : أن هذا الشخص الذي طلب تأخير السداد مقابل أن يقوم هو بسداد هذه العشرة : إن كان يدفعها نيابة عن المقترض فلا بأس بذلك ، وأما إذا كان يدفعها للمقرض كقرض جديد نظير تأخيره القرض الأول ، فلا يجوز .
قال ابْنُ رُشْدٍ : " هَذَا بَيَّنَ عَلَى مَا قَالَ ، أَنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا مِنْهُ لَهُ ؛ لأَنَّهُ سَلَفُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ لِغَرَضٍ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ، فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا ، إذْ لا يَحِلُّ السَّلَفُ إلا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُسْلِفُ مَنْفَعَةَ الَّذِي أَسْلَفَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لا لِنَفْسِهِ وَلا لِمَنْفَعَةِ مَنْ سِوَاهُ " انتهى من "منح الجليل" (5/405) .
وجاء في " الذخيرة " (5/292) :
" كَرِهَ مَالِكٌ تَأْخِيرَ الْغَرِيمِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّفَكَ أَجْنَبِيٌّ ، قَالَ : وَفِيهِ تَفْصِيلٌ : فَإِنْ كُنْتَ طَلَبْتَهُ لِحَاجَتِكَ لِلدَّيْنِ : فَهُوَ خَفِيفٌ ؛ لأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْغَرِيمِ ، وَإِنْ أَسْلَفَكَ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي لَكَ امْتَنَعَ " انتهى
والمقترض –على فرض أنه ليس مُؤكلاً للربا بنفسه - إلا أنه مُعين على تأكيل الربا إذ لولا قرضه لما حصل البنك على الزيادة الربوية .

ثانيا :
لا يمكن اعتبار هذه الزيادة التي يأخذها البنك رسوماً عن الخدمات الفعلية للقرض ؛ لأن الرسوم التي ترتبط بمقدار المبلغ لا تعد رسوم خدمات بل هي زيادة ربوية .
جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " ذي الرقم 108 (2/12) بشأن العمولة التي يأخذها البنك عند السحب ببطاقة الائتمان غير المغطاة:
" السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها ، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية ، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 ( 10/2 ) و 13 (1/3 ) " انتهى .

ثالثا :
لو فُرض أن باذل الزيادة وآخذها له ذمة واحدة ، بأن يكون البنك مملوكاً للحكومة كاملاً ، والوكالة أو الصندوق المُقدِم للزيادة كذلك مملوك للحكومة ، فلا بأس بهذا القرض في هذه الحال ؛ لأن الربا لا يجري في حال كون الذمة الواحدة ؛ ولهذا ذكر الحنفية أن من شرائط الربا " أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ " .
انتهى من " حاشية ابن عابدين" (5/168).
وقال في " كشاف القناع " (3/ 271) : " مَا لَمْ يَكُنْ الرِّبَا بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ إنْسَانٍ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ ...؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلسَّيِّدِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يقول: ( لا ربا بين السيد ورقيقه) فيجوز للإنسان أن يشتري ثلاثة دراهم بدرهمين من رقيقه ؛ لأن المال ماله ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( من باع عبداً له مال فماله للذي باعه ) ... وحقيقة الأمر أن تعامل السيد والرقيق ليس معاملة حقيقية ؛ وإنما هي صورة معاملة؛ إذ إن مال الرقيق للسيد " .
انتهى من " الشرح الممتع " (8/457) .
وخزينة الدولة واحدة ، ولهذا تلتزم بالديون الثابتة على أي وزارة تابعة لها ، وتعتبره التزاماً واجباً على عموم الخزينة .
ولكن لا ينبغي في هذه الحال تسمية ذلك فوائد حتى لا تشتبه وتختلط بالربا عند العامة .
والحاصل :
أن القرض الذي تُشترَط فيه الزيادة - ولو كانت يسيرة - يُعتبر قرضاً ربوياً محرماً ، وإن تكفل طرف ثالث بدفع تلك الزيادة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب