الحمد لله.
نحمد الله تعالى أن يسرك للإسلام ، وهداك لهذه النعمة العظيمة والهبة الجليلة ، فاختارك من بين كثير من الناس ، فاحمدي الله على ذلك .
وليس هناك نعمة تضاهي هذه النعمة التي أكرمك الله تعالى بها، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعقدون المجالس يذكرون نعمة الله عليهم بهدايتهم للإسلام ، وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يباهي بمجلسهم الملائكة .
فعن معاوية رضي الله عنه قال : خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: ( مَا أَجْلَسَكُمْ؟ ) قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإسْلاَمِ؛ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: ( آللهِ مَا أجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ ) قالوا : واللهِ مَا أجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ . قَالَ : ( أمَا إنِّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، ولكِنَّهُ أتَانِي جِبرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنَّ الله يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ ) رواه مسلم (2701) .
ورأت أخت بِشْر بن الحارث أخاها ليلة من الليالي يتفكر... فتركته ، فلما أصبح قالت له : في ماذا تفكرت طول الليلة ؟ فقال: تفكرت في " بِشْرٍ " النصراني ، و "بشرٍ" اليهودي ، و"بشرٍ" المجوسي ، ونفسي واسمي : بِشْر !!
فقلت : ما الذي سبق منك حتى خصك ؟!
فتفكرت في تفضله عليّ ، وحمدته على أن جعلني من خاصته ، وألبسني لباس أحبائه . [ ينظر كتاب " صفة الصفوة " (2/331) ] .
فالحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها نعمة .
وأما ما ذكرته الأخت من أنها لا تستطيع لبس الحجاب ، ولا صيام رمضان في وقته ، لما تخشاه من الضرر عليها إن أظهرت إسلامها ، وأنها تقوم بقضاء الصيام في غير رمضان ، فلا حرج عليها في ذلك إن شاء الله ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على أحوال مشابهة لأحوالك ، وأجازوا لأصحاب تلك الأحوال أكثر من ذلك عند الضرورة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر ، وعلم أنه رسول الله ، فآمن به ، وآمن بما أنزل عليه ، واتقى الله ما استطاع ، كما فعل النجاشي وغيره ، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ، ولا التزام جميع شرائع الإسلام ، لكونه ممنوعا من الهجرة ، وممنوعا من إظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام ؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة ، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون ، وكما كانت امرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ; فإنهم كانوا كفارا ، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام ، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان ، فلم يجيبوه .
قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) سورة غافر: 34 .
وكذلك النجاشي ، فهو وإن كان ملك النصارى ، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم . ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه ، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – بالمدينة : خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا ، وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات ، وقال : ( إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات ) .
وكثير من شرائع الإسلام ، أو أكثرها ، لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يكن يصوم شهر رمضان ; لأن ذلك كان يظهر عند قومه ، فينكرونه عليه ، وهو لا يمكنه مخالفتهم . ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن .
فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه .
وبالجملة : لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان . ينظر كتاب " منهاج السنة النبوية " لشيخ الإسلام ابن تيمية ( المجلد الخامس من ص111-125) .
ولا مانع من إرسال الأسئلة التي تحتاجين إلى كشفها وإيضاحها ، بل نحن نسعد بك أختا لنا ، ونسعد بمساعدتك في معرفة دينك ، وهذا هو عملنا ، ووظيفتنا ، بحسب استطاعتنا .
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وثبتنا على الإسلام حتى نلقاه ، وجعل لك فرجا ومخرجا إلى بلد أرحب ، ومكان أعظم أمنا لك ، تقيمين فيه شرائع دينك ، على أكمل ما تقدرين عليه .
والله أعلم .
تعليق