الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 - 19 ديسمبر 2024
العربية

تواصلت مع شاب من بلد أخرى ووالدها يرفض زواجها به

220517

تاريخ النشر : 02-08-2015

المشاهدات : 8851

السؤال


ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الرسالة خوفا من ردكم !! أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة ، من بلد عربي في شمال أفريقيا ، أراد أن يخطبني شاب ، مثقف ، طبيب متدين ، يواظب على صلاة الفجر ، وعلى كل الصلوات ، وله أخلاق عالية ، المشكلة أنه من غير بلدي ، هو من سوريا . والدي رفض أنه حتى يقابله أو يعرف عنه أي شيء ، وفي نفس الوقت الذي يرضى أن يزوجني لشخص غير متدين ، المهم أن يكون خلوقا ، فهو لا يجعل الدين معيارا ، أنا تعلق قلبي بهذا الشاب جدا ، وقد تواصلت معه ، أعرف أن ما قمت به خطأ ، وهو كذلك ، وكنا أحيانا كثيرة نندم على تواصلنا ، ونحاول تجنب الأمر ، لكن لم نقدر على ذلك ، حاولت مرارا وتكرارا قطع علاقتي به ، خوفا من الله أولا ، ومن ألا يتم هذا الزواج ثانيا ، إلا أني لم أستطع ، أصبحت الأفكار الشيطانية تراودني ، حتى أريد الانتحار أو أتسبب بالأذى لنفسي ، أريد فقط الحلال ، أريد الزواج بهذا الشاب ، أو عمل عقد شرعي معه ليرتاح ضميري ، أنا لا أستطيع تركه ، وخاصة أن عنده ظروف قاسية جدا ، لا أريد أن أكون سببا لألمه ، هل أستطيع الزواج دون موافقة والدي ؟ وكيف أستعين بالدعاء ؟ وماذا أقول في الدعاء ليستجيب لي ربي ؟ أرجو أن أجد حلا غير ترك هذا الشاب .

الجواب

الحمد لله.


نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك وأن يلهمك رشدك وأن يصرف عنك السوء .
أولا :
لا بد أن تعلمي أن هذه العواطف الجياشة وشعورك بأنه لا يمكنك الاستغناء والابتعاد عن هذا الشاب ؛ كثيرا ما يكون مبالغا فيه ، وفوق حقيقة الأمر بكثير ؛ لكن الظروف التي تعرض فيها المشكلة ، والمعايشة لها : تصور للإنسان : إنها بلا حل ، إلا حلا واحد يطلبه هو ؛ وأنها بكل هذا التعقيد .
إن أكثر ما جنى عليك ، وأنت تعرفين ، والشاب يعرف أيضا : هو هذا الاسترسال في المحادثات ، والمراسلات بينكما ؛ وفي ظل ذلك الأمر : فشعورك هذا طبيعي جدا ؛ فماذا تنتظرين من شاب وفتاة في سنك يتواصلان معا بعيدا عن أي رقابة لأهلهما ؟ هل تنتظرين أن ينتفض جسمكما من خشية الله ؟!
أم إن الشيء الطبيعي هنا : أن يتعاون الشيطان مع النفس الأمارة بالسوء ، ويزين لكل واحد منكما ما يفعله ، ويوجد له المبررات حتى يستمر في ذلك ، ويتطور إلى ما هو أعظم ؟

لقد أثنيت على دين هذا الشاب وخلقه ، ونحن ندعوك إلى التعقل مع الأمور والابتعاد عن العاطفة التي تتغلب على العقل ، لاسيما في مثل هذه المواقف .
لقد اعترف كل واحد منكما بأن ما يتم بينكما من تواصل هو خطأ ، ومع ذلك لم يمنعه دينه ، ولا خلقه من الاستمرار في ذلك .
نعم ؛ قد يكون هذا الشاب عنده دين وخلق ، ولكنه ليس بالقدر الذي يستحق ما تصفينه به .
ولعلك تدركين ذلك إذا تفكرت في الأمر بعقلك ، لا بعاطفتك .
واسأليه : -وهو صاحب دين وخلق كما تقولين- ماذا سيفعل لو علم أن أخته ، أو ابنته ، تفعل مع شاب غريب عنها ما تفعلينه أنت معه ؟
هل سيرضاه لحريمه ، زوجته ، أو بنته ، أو أخته ؟
أم يرضاه لحريم الناس ، ولا يرضاه لمحارمه هو ؟!
إن الناس ، لا يرضونه لبناتهم ، ونسائهم !!

ثانيا :
إننا ليس لنا أن نحرم ما أحله الله ، فليس من شروط صحة الزواج أن تتوافق جنسية العروسين ، فيجوز للمرأة أن تتزوج رجلا من جنسية أخرى ، ولا مانع من ذلك .
غير أنك إذا نظرت إلى الواقع فسوف تجدين أن اختلاف الجنسية بين الزوجين في كثير من الأحيان يتسبب في متاعب ومشاكل للأسرة ، وذلك نتيجة لاختلاف العادات والتقاليد ، بل قد تكون الخلافات السياسية بين بلديهما سببا كبيرا في هذه المشاكل والمتاعب ، فقد يمنع هو من دخول بلد زوجته ، أو تمنع هي من دخول بلده ، أو على الأقل يضيق عليهما في إجراءات التأشيرة والإقامة ... إلخ .

وقد ذكرت أن هذا الشاب من سوريا ، نسأل الله تعالى أن يفرج عن أهلها وعن جميع المسلمين ما هم فيه من الكرب والهم .
وأنت تعلمين ما يدور في بلادهم الآن ، ولا يعلم أحد إلا الله متى تنتهي تلك الأزمة ، فمع عدم استقرار الأمر في بلاده سوف تكون أسرتك مشتتة بين بلدين ، ومع استمرار عدم الاستقرار في بلاده ، قد يكون مضطرا إلى مغادرة بلاده ، أو ربما يكون قد غادرها بالفعل ، فتكون الأسرة مشتتة بين ثلاثة بلاد ، فكيف يتحقق السكن ، والالتئام لأسرة ، في ظل هذا التشتت !!
وكيف تطالبين والدك أن يغامر بمستقبل ابنته ، في ظل وضع كهذا ، وهو لا يريد إلا راحتها ، وسعادتها ، والتئام شملها ؟!
إننا نرى أن رفض والدك منطقي جدا ، في ظل وضع كهذا الذي نراه ونعرفه ؛ ولا شك أنه يريد مصلحتك ويفكر بعقله ، وأنت تفكرين بعاطفةٍ ينفخ فيها الشيطان وتعاونه النفس الأمارة بالسوء ، ولذلك اختلف رأي أبيك عن رغبتك .
إذا كنت تريدن رأينا حقا ، وتحبين أن تسمعي نصيحتنا لك صدقا ؛ فلا تضعينا في خيار واحد أنت تحددينه منذ البداية : كيف ترتبطين بهذا الشاب ؟!
إننا لا نرى أن لك مصلحة في كل هذه المعاناة ، وليس أمامنا طريق شرعي ، نحقق به رغبتك ، وتطلعك ، رغم معاناة ولي أمرك ، وموافقته شرط في صحة زواجك ؛ فكيف لنا أن نزوجك به ؟!
ولذلك : فالنصيحة لك أن تطيعي أباك ، وهو الحريص على مصلحتك ، وعلى إبعادك عن كل ما يضرك .
ولا تجعلي هذا الأمر يفسد العلاقة بينك وبين أبيك ، فتكونين قد وقعت في خطأ آخر ، وهو أعظم من الأول ، وهذا من شؤم المعصية ، فالمعصية تجر إلى غيرها .... وهكذا .

ورغم معرفتنا بكراهتك لذلك ، ورغم تأكيدك بأنك كنت تخافين من هذه النصحية ، وطلبك أن نرى لك حلاًّ غير هذا ، رغم ذلك كله ، فإن هذا هو ما نرتضيه لبناتنا ، وقد نصحناك بما نراه الخير لك ، وإن ظهر لك عكس ذلك .

وقد يكون من لطف الله بك أن جعل أباك يرفض هذا الزواج ، وذلك حتى يجنبك الله ما قد يترتب عليه من مشاكل ، فإن العبد لا يعلم مصلحته على وجه الكمال ، فقد يرى مصلحته في شيء وهو في الحقيقة ضار له ، كما قال تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة / 216 .
قال ابن القيم رحمه الله :
" العبد لا يريد مصلحة نفسه من كل وجه ، ولو عرف أسبابها ؛ فهو جاهل ظالم ، وربه تعالى يريد مصلحته ويسوق إليه أسبابها ، ومن أعظم أسبابها : ما يكرهه العبد ؛ فإن مصلحته فيما يكره : أضعاف أضعاف مصلحته فيما يحب " انتهى من "مدارج السالكين" (2/ 205) .

واعلمي أنه لا يجوز لك الزواج من هذا الشاب ، أو من غيره ، إلا بموافقة والدك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شدد في هذا ، حتى قال : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ) رواه الترمذي (1021) وهو حديث صحيح .

والحكمة من ذلك : أن المرأة قد تُخدع ، أو لا تدرك الأمور جيدا ، لأنها تفكر وقد غلبتها العاطفة ، أما وليها فيفكر بعقل وروية ، فتتحقق مصلحة المرأة بذلك ، ويندفع عنها ما يضرها .

نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ، وأن يوفقك لكل خير .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب