الحمد لله.
أولا :
لا نحتاج أن ننبهك إلى خطأ تواصلك مع هذا الشاب وقد استمر هذا الخطأ لمدة سنتين ، فأنت تعلمين أنه خطأ ، والإنسان العاقل الحازم إذا علم أن هذا الفعل خطأ فإنه يتركه ولا يتعلل بـ (ضعف النفس) .
ومطلوب من الإنسان أن يقوي نفسه ، ويقوي إيمانه حتى يقوى على ترك ما يعلم أنه خطأ وحرام ، وذلك بكثرة قراءة القرآن والصلاة وذكر الله واستحضار أن الله تعالى يراه ويسمعه ويراقبه ، وأن الملائكة تكتب عليه كل ما يقول أو يفعل ، وسوف ينشر له ذلك الكتاب إلى يوم القيامة .. إلخ .
فبهذا يقوى الإيمان ، وتقوى النفس ، ويترك المسلم ما حرم الله عليه .
ثانيا :
تعلقك بهذا الشاب أمر طبيعي . فماذا تنتظرين من فتاة في سنك تتواصل مع شاب ،
ويحضرهما الشيطان ويشجعهما ويزين لهما الحرام ؟ مع ما في هذا التواصل من كلمات الحب
والغرام والإعجاب والمدح ... إلخ ؛ وأي فتاة لا يعجبها ذلك ، ولا يخلب عقلها ،
ويسرق لبها ؟!
لا بد أن ذلك واقع ، حتى يصور لها الشيطان أنها لا يمكن أن تعيش بدون هذا الشاب ،
وأنها ستنتظره عشرين سنة ، ولن تتزوج بغيره ، وأن هذا الشاب لا يوجد أحد مثله في
أخلاقه ودينه ... إلخ .
مع أنها لو فكرت بعقلها لعلمت أن الشاب الذي يرضى أن يتواصل مع فتاة ، من وراء
أهلها لمدة سنتين : لا يصح وصفه بأنه ذو دين وخلق .
وهل يرضى هذا الشاب لأخته أو ابنته أن تفعل ذلك ، مع شاب أيضا صاحب دين وخلق ؟
اسأليه : ماذا سيفعل إن وقع ذلك ؟
والغريب أننا رغم مئات ومئات من المآسي ، نسمع نفس المبررات ، الشاب يقول عن نفسه : أنا لست كغيري ، أنا أحبك حبا صادقا ، والفتاة المخدوعة تخدع نفسها أيضا وتقول : هذا الشاب ليس كغيره من الشباب ، هو صاحب دين وخلق ، ثم تكون النهاية مأساوية في كثير من القصص .
ثالثا :
إننا نتفق مع والدك في رفضه هذا الشاب للسبب الذي ذكرتيه ، فإن اختلاف مستوى
التعليم والثقافة بين الزوجين يتسبب في كثير من الأحيان في حدوث مشاكل بينهما ،
وذلك لصعوبة التفاهم بينهما .
قد تقولين : إن فلانة تزوجت من فلان مع اختلاف مستواهما التعليمي ، ونجح زواجهما
ولم يفشل .
فنقول لك : وفلانة الأخرى ، وفلانة وفلانة .. ، حدث بينها وبين زوجها مشاكل كثيرة
متكررة من أجل هذا السبب .
فهل ترضين لنفسك أن تكون حياتك محلا للتجربة ، إما أن تنجح وإما أن تفشل ، بدلا من
أن يكون اختيارك مبنيا على أسس سليمة ؟
إننا لا نحرم ولا نمنع ما أحل الله ، فلا نحرم الزواج في مثل هذه الظروف والأوضاع (
مع اختلاف المستوى التعليمي ) ، غير أن واقع الناس يحذرنا أن نقع فيما أخطأ فيه
الآخرون ، وكما قيل : السعيد من وعظ بغيره ، لا من وعظ الناس به ، وكان عبرة أمامهم
، على خطئه .
رابعا :
اعلمي أن الدراسات والأبحاث تثبت أن أكثر الزيجات المبنية على علاقة ومحبة سابقة
قبل الزواج أنها تنتهي بالفشل ، خلافا لما يظنه الناس .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (84102)
فارجعي إليها ، لتتعرفي على أسباب ذلك .
ثم نقول لك أيتها السائلة
الكريمة :
دعي ما تقوله الدراسات من أن نسبة كبيرة من الزيجات المبنية على علاقات سابقة :
تفشل ، أو تكون عرضة للفشل .
ودعي ما يقوله الواقع : من أن التفاوت الكبير في المستوى التعليمي ، والشهادة
الجامعية : هو أيضا عامل آخر من عوامل الفشل ، أو لنقل : من عوامل عدم الانسجام في
المعيشة فيما بعد ذلك ؛ دعي ما يقوله الواقع ، وما تقوله الدراسات ، والتجارب .
فماذا في أيدينا ، نحن وأنت أن نفعله ؛ وقد رفض والدك ، وبشدة كما تقولين ، أن
تتزوجي من هذا الشاب ؟
ربما لو كان والدك هو من يخاطبنا ، لقلنا له : إذا لم تستطع إقناع ابنتك في نهاية
الأمر ، وكانت مصرة على تلك العلاقة ، وكانت ، وكانت ... ؛ فما حيلة المضطر ؟؟
لكن والدك لا يسمعنا ، ولا نحن نجهر له بمثل هذا القول ، المضطر ؛ والزواج من غير
موافقة والدك ، وولي أمرك : باطل شرعا ، غير مقبول واقعا ؛ فماذا ـ يا ترى ـ سوف
يكون الحل ؟
هل تريدين أن تثبتي لوالدك ، ولمجتمعك : أن رغبتك ، وإصرارك أعظم وأقوى من موقف
والدك؟؟
وأن بإمكانك أن تفعلي أشياء كثيرة ، رغم رفض والدك .
هل تريدين أن تثبتي أن بإمكانك أن تقابلي الرفض بالرفض ، والعناد بعناد ؛ فلا هو
زوجك بمن تريدين ، ولا أنت ستتزوجين بمن يريده ، وربما لا تتزوجين من الأساس ؟!
فأي شرع ، وأي عقل ، وأي منطق ، وأي عرف مستقيم : يقبل منك بهذا ؟!
وأخيرا ...
إننا ننصحك بطاعة والدك ، وقطع علاقتك بهذا الشاب نهائيا ، والتوبة من هذا الخطأ
والفعل المحرم ، وأن تقبلي على حياتك بنفس قوية ، وبقلب مليء بالإيمان بالله والخوف
منه والرجاء لثوابه ، مع الحرص التام على البعد عن كل خطأ لا يرضي الله تعالى .
ومتى قطعت علاقتك بالشاب ، حقيقة لا تجربة واختبارا ، فلن تلبثي ، إن شاء الله ، أن
يهون عليك الأمر ، ويغطيه النسيان ، كما حصل مع ألوف مؤلفة ، سواكما ، ثم لم يتوقف
أمر الزواج ، ولم تتوقف حياة الناس ، فقد بنيت الدنيا على نسيان الأحبة .
فتعاملي مع الأمر بإيجابية ، وواقعية ، وتناسي همومك ، وعلائقك ، وإذا تقدم لك شاب
مرضي الدين والخلق فإنك تقبلين الزواج منه .
وبهذا تكونين قد طويت تلك الصفحة الخاطئة من حياتك ، وفتحت صفحة بيضاء نقية عنوانها
: " طاعة الله تعالى والفرار من معصيته " .
نسأل الله تعالى لك التوفيق والفلاح وأن يلهمك رشدك .
والله أعلم .
تعليق