الحمد لله.
إذا سألت عن الإمكان من الجهة الشرعية ، فالشريعة الإسلامية لا تحرم على الزوج الإقامة في مكان غير مكان إقامة زوجته ، بشرط أن يقوم بحقوقها من جهة النفقة والمعاشرة بالمعروف والإحسان إليها ، مع الإشراف على تربية الأبناء والاطمئنان على أحوالهم ، فكم في هذه الدنيا من أزواج مغتربين عن بيوتهم وأسرهم ، دفعتهم الحاجة إلى العمل أو التعليم أو العلاج إلى التباعد لتحقيق المقصد المطلوب .
لكن الشرط الواجب هو الحرص على التواصل ، وتقارب ما بين إجازات العودة إلى الأهل ، والاستمرار في إرسال النفقة من مكان العمل ، مع العناية الخاصة بالأبناء لإبقاء حبل المودة بينهم وبين والدهم ، ليكون هذا الحبل سببا في التربية الحسنة على الخلق والإيمان .
أمّا إذا سألت عن إمكان سفرك من جهة النصيحة الواقعية ، والنظر في حالك ، وظروفك ، ودوافعك : فنحن لا نرى لك ذلك ، إلا مع أسرتك وأبنائك ، خوفا أن يكون سفرك سببا لضياعهم وإضعاف صلتك بهم ، وتركهم فريسة للفتن التي وصفتها بأنها كثيرة جدا ، فالزوجة والأبناء أيضا معرضون لأنواع الفتن في دينهم وأخلاقهم وأحوالهم ؛ فإذا كنت أنت تخاف من الفتن على نفسك ، وتريد أن تفر بدينك ؛ فماذا تفعل في أولادك وأسرتك ؟ وكيف تتركهم في هذه الفتن ، من غير راع ، ولا حافظ ، ولا مرب ؛ والزوج راع لزوجته ، والأب راع لأبنائه ومسؤول عن رعيته.
ومقتضى المسؤولية والأمانة التي كلفه الله عز وجل إياها أن يكون خير سند وعون لهم على مواجهة الفتن ، ينصحهم ، ويوجههم ، ويبذل حبه الصادق لهم ليكون خير صديق ، وحينئذ يتمكن من حمايتهم ، وتربيتهم ، والقيام على أمرهم .
أما إذا سافر وتركهم فقد خلّى بينهم وبين الشيطان ، وقطع أوثق حبل بينه وبينهم ، وهو حبل القرب والمشاهدة ، وغالبا ما تبدأ العلاقة تضعف بين الأب وأبنائه بسبب الغربة ، ولا يتمكن من ترميم هذه العلاقة حتى لو رجع وأقام بينهم بعد سنوات عدة .
خاصة ، والأمر في مثل حالك : أن البيئة التي تريد الانتقال إليها : هي أفضل ، نسبيا ، من مكان إقامتك ، لكنها ، رغم ذلك : في بلاد الغرب ، وفيها من الفتن ، ما فيها ، ولست ستنتقل إلى بلد إسلام ، تأمن فيه على نفسك ودينك ؛ فالضريبة التي ستدفعها ، وستتكلفها أسرتك كلها ، باغترابك عنهم ، لا نرى أنها توازي الفرق بين البلدين والبيئتين ؛ فلم يبق إلا أن تصبر على قيامك على أولادك وأسرتك ، إلى أن يجعل الله لك ولهم فرجا ومخرجا ، وينقلك إلى بلد هو خير من بلدك.
ولذلك لا بد من العمل على إقناعهم شيئا فشيئا ، واستعمال لغة الحوار والترغيب مع الزوجة ، وإغرائها بحياة أفضل ، وقبل ذلك كله وبعده دعاء الله عز وجل لها بالهداية للخيار الأفضل ، ويشرح قلبها لما تحفظ به دينك وأسرتك ، فالدعاء سلاح المؤمن ، والله عز وجل مقلب القلوب ، بيده مفاتيح الهداية والتوفيق .
والله أعلم .
تعليق