الحمد لله.
المناسبات والاحتفالات الزمانية التي تتكرر في كل عام ، لها حالان :
الأولى : أن يكون اليوم الذي تم تحديده للاحتفال به مقصوداً لذاته ، تعظيماً وتخصيصاً له عن سائر الأيام ، فمثل هذا يدخل في مضاهاة الأعياد الشرعية ، سواء خصه بشيء من العبادات أم من العادات ؛ لأن المقصود منه تعظيم هذا اليوم ، فيدخل في معنى العيد ؛ لأن " الْعِيد اسْمٌ لِيَوْمٍ يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ، ذِكْرَى لِنِعْمَةٍ ، أَوْ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ ، لِلشُّكْرِ ، أَوْ لِلِاعْتِبَارِ". انتهى من "التحرير والتنوير" (7/108) .
ويدخل في هذا: الاحتفال بيوم المولد النبوي ، والإسراء والمعراج ،
والهجرة النبوية... الخ
والأعياد شريعة من الشرائع يجب فيها الاتباع ، ويحرم الابتداع ، وقد كان للنبي صلى
الله عليه وسلم وقائع وفتوح في أيام متعددة ، كبدر والخندق وحنين والفتح والهجرة ،
ولم يشرع اتخاذ شيء من هذه الوقائع عيداً ، مما يدل على أنه لا يُعظَّم يوم يعتاد
إلا ما كان مشروعاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو
الشهور أو الأعوام ، غير الاجتماعات المشروعة ، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات
الخمس ، وللجمعة ، وللعيدين وللحج ، وذلك هو المبتدَع المحدث" انتهى من " اقتضاء
الصراط المستقيم" (2/140).
وفي "الدرر السنية" (5/63) : " فلو ساغ تعظيم زمان من الأزمنة التي لم يدل على
تعظيمها الشرع ، وجعلُه عيداً ؛ لساغ تعظيم ليلة الإسراء ، ويوم بدر ، ويوم الفتح ،
وجعلها أعياداً ؛ لما حصل في تلك الأزمنة من الخير الكثير ، وإعلاء كلمة الله تعالى
، وتشريف رسول الله صلى الله عليه وسلم". انتهى
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة" (3/88) : " ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب ،
أو التعظيم كسباً للأجر ، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية ، أو نحوهم من طوائف
الكفار : فهو بدعة محدثة ممنوعة ، داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.
مثال ذلك : الاحتفال بعيد المولد ، وعيد الأم ، والعيد الوطني ؛ لما في الأول من
إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، ولما في ذلك من التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ،
ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار". انتهى
الثانية : أن لا يكون اليوم الذي تم تخصيصه مقصودا بالتعظيم والتمييز
لذاته ، وإنما تم اختياره لأمر تنسيقي وتنظيمي ، لا يقصد بالاجتماع فيه التقرب إلى
الله ، وإنما المقصود العمل المباح الذي يتم فيه ، كالتوعية بأهمية أمر ما ، كأسبوع
المرور ، والشجرة ، ويوم الصحة ، واللغة ، ونحو ذلك ، أو التحذير من مخاطر أمر ما ،
كالتدخين والمخدرات ونحوها؛ فمثل هذه لا تعد من الأعياد المبتدعة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/89) : " وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً
، لمصلحة الأمة ، وضبط أمورها ؛ كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة ، والاجتماع
بالموظفين للعمل ، ونحو ذلك مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة
، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، فلا حرج فيه، بل يكون مشروعا ". انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وأما أسبوع الشجرة : فلا بأس به" انتهى من "الكنز
الثمين" (ص: 172).
وقال الدكتور عبد الله بن سليمان آل مهنا : " يُفَرَّق بين اليوم الذي يُحدد لعمل
معين ، ولو تكرر ، وبين اليوم الذي يحدد ويتكرر لذات اليوم ، فيكون مقصوداً لذاته ،
تعظيماً له وتمييزاً له عن غيره.
فالأول ليس تمييز اليوم وتخصيصه مقصوداً ، وإنما المقصود منه جعله ظرف زمانٍ لعملٍ
معيَّنٍ ، كبداية دراسة أو اختبار أو اجتماع ونحو ذلك ، ولا يلتفت إليه لمعنىً آخر
.
أما اليوم الثاني ، فإنه مقصود لذاته ، لحدث قد حصل فيه ، أو لأي سبب آخر ، يعظم
ذلك اليوم ويميزه عن الأيام الأخرى ، فانتظاره كل عام ، والاهتمام به بما يقام فيه
من أعمال : يدل على أنه المقصود لذاته .
ومن المعلوم أنه لا يجوز هذا التخصيص إلا بدليل شرعي ، فالأعياد التي تنتظر ويكون
فيها اجتماع وأعمال هي الأعياد المشروعة : الفطر والأضحى ، وأيام التشريق ، ويوم
الجمعة في الأسبوع.
فإذا أضفنا أياما أخرى ... ضارعنا بذلك الأعياد الشرعية ، وزاحمناها ، وخصصنا أزمنة
بتعظيم دون مخصص شرعي " انتهى من " الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها " صـ: 239.
تعليق