الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

داعية يمهد لحديثه مع أحد الفنانين بالحديث عن الإنتاج الفني

221500

تاريخ النشر : 10-09-2014

المشاهدات : 4476

السؤال


منذ أيام كان يحدثنا شيخ باكستاني مشهور أنه التقى مع ممثل هندي قرب الحرم أثناء الحج ، وقال الشيخ في حديثه - وهو يحكي كيف جرى اللقاء بينه وبين ذلك الممثل - إنه لم يتحدث في الدين مباشرة ، بل أمضى ما يقارب خمسين دقيقة وهو يتكلم عن الأفلام والممثلين ، حتى إنه قال : شعرت أني شاهدت أفلاماً أكثر منه . كل هذا بحجة السياسية في الدعوة ، وخشية التنفير . ثم بعد ذلك بدء يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة حجه...الخ . فدار نقاش بيني وبين بعض الأصدقاء حول ما قاله الشيخ ، ورأيت أن إمضاء خمسين دقيقة في الحديث عن الأمور المحرمة بحجة التمهيد للدعوة لا يصح ، فاختلفوا معي وقالوا : لست بأعلم من مولانا ، لذا فاصمت ! واستدلوا بفعل أبي بكر الصديق حين أعطى إحدى المومسات مالاً ، وأمضى معها الليل كله يحدثها عن الإسلام . إنني أدرك جيداً أهمية البدء بحديث عام مع المدعوين قبل الحديث عن الدين ، لكن لا أرى مسوغاً للإفراط . وعليه أقدم بين يديكم هذين السؤالين : - هل يجوز الحديث عن الأفلام لمدة خمسين دقيقة ، ثم الانتقال للحديث عن الله والدين ، بحجة أن المدعو قد ينفر ؟ - هل قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع المرأة البغي صحيحة ؟

الجواب

الحمد لله.


مثل هذه المواقف لا يمكن الحكم بصوابها أو خطأها إلا ممن أحاط بملابساتها وتفصيلاتها ، ولا يتيسر ذلك غالبا إلا لمن حضرها وشاهدها .
فالخمسون دقيقة – إذا نظرت إليها نظرا مجردا – يمكنك القول بأنها طويلة ، وخارجة عن الاعتدال إلى المبالغة ، ولكن ..... في الوقت نفسه هناك من المجالس ما يطول من حيث لا يشعر الحضور ، حيث تتداخل المواضيع ببعضها ، وتلتصق الحكاية بالحكاية بالقدر الذي يقطع الوقت سريعا ، وأيضا : من الناس من هو بطيء الحديث ، دقيق الوصف ، يعتني بالتفاصيل الدقيقة ، فمثل هؤلاء الناس لا تكفيهم الساعة والساعتان للحديث عن قضية يسيرة ، فلا يستغرب أن يطول معهم مجلس الحديث عن الأفلام إلى خمسين دقيقة . هذا فضلا عما قد يتخلل الجلسة من انقطاع بسبب حضور شخص أو انصرافه أو حضور طعام أو شراب ونحو ذلك من الأمور العارضة ، فهناك الكثير من الأمور التي تتحكم في طول وقت المجلس وقصره ، ولا يعلم حقيقتها إلا من حضر وشاهد ، وليس من اكتفى بسماع الخبر مجردا من كل ظروفه وملابساته .
وليس هناك حرج في محادثة الناس في شؤونهم التي يعتنون بها وتخصصاتهم قبل الدخول معهم في حديث الآخرة ، ومن ذلك الحوار الذي ذكرته ، ولا يصح القول بأن كل حديث عن التمثيل والممثلين يكون حراما ، فقد يكون ذلك الحديث مدحا لهؤلاء وإقراراً لعلمهم بالصورة المعروفة عنهم ، فيكون مذموما ، وقد يكون محمودا إذا كان تحليلا لحجم هذا القطاع ، وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وتحليل عوامل قوته وضعفه ، ونحو ذلك من القضايا التي يستفيد منها المصلحون في معركتهم الإصلاحية في نشر الخير ومحاربة الشر والفاحشة والرذيلة .
وقد يكون الحديث عن بعض مواقف الممثلين ويتضمن ذلك الإنكار وبيان خطأ هذه المواقف والتصرفات بين الفينة والأخرى بما يسمح به الحديث فيكون محمودا أيضا .
فإذا أحسن الداعية الحوار ، استطاع أن يكون حديثه عن الممثلين مفيدا ، مع ما يكون فيه من تألف السامع والتمهيد للحديث الأكثر نفعا معه .
ويمكن أن نستأنس لهذا بما ثبت في السنة النبوية عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَثِيرًا ، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ . رواه مسلم (670) .
ففي هذا الحديث جواز التحدث بما وقع من المسلم في جاهليته .
قال النووي رحمه الله : " فِي الحديث : جَوَاز الْحَدِيث بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّة وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
ثانيا:
أما حادثة أبي بكر الصديق مع إحدى البغايا ، فلم نسمع عنها قبل اليوم ، وبحثنا عنها في كتب التاريخ والسير ، فلم نجد لها أثرا ، ولم نقف لها على أصل ، فليس من الصواب ولا من العلم الاستشهاد بحكاية لا تعرف في كتب العلماء ، ولا تذكر في سيرة الصديق رضي الله عنه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب