الحمد لله.
أولا :
قراءة المأموم للفاتحة من المسائل الخلافية المشهورة بين فقهاء المذاهب الأربعة ، وكل إنسان يعمل بما ترجح لديه – إن كان أهلا للترجيح- أو يقلد أحد الأئمة ويعمل بقوله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ، ولم يُهجر ، ومن
عمل بأحد القولين لم ينكر عليه . وإذا كان في المسألة قولان : فإن كان الإنسان يظهر
له رجحان أحد القولين عمل به ، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان
أرجح القولين " انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/207) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله
:
" ما اختلف فيه الفقهاء , فلا أنهى أحدا من إخواني أن يأخذ به " انتهى من " الفقيه
والمتفقه " (2/135) .
وقد سبق في الفتوى رقم : (10995) أن أرجح الأقوال هو مذهب الإمام الشافعي ، وهو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ، وذكرنا أدلة ذلك .
ثانيا :
أما من احتج على عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم بأن المسبوق إذا أدرك الركوع
فقد أدرك الركعة ، مع أنه لم يقرأ الفاتحة .
فالجواب على هذا من وجهين :
الوجه الأول :
أن الدليل الشرعي هو الذي استثنى المسبوق وصحح صلاته رغم عدم إدراكه الفاتحة ، وذلك
لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَهْوَ رَاكِعٌ ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ
لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : ( زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ، وَلاَ
تَعُدْ ) رواه البخاري (783) .
فهذه حالة خاصة ، تصح فيها الصلاة مع أنه لم يقرأ الفاتحة .
قال السبكي تعليقا على هذا
الحديث :
" كان ذلك مخصصا للدليل الدال على قراءة الفاتحة للمأموم في كل ركعة ، ويبقى فيما
عدا هذه الصورة على مقتضى الدليل " انتهى من " فتاوى السبكي " (1/141) .
الوجه الثاني :
أن يقال : إن القيام ركن من أركان الصلاة ، والمسبوق الذي يدرك الإمام راكعا لم
يتسن له القيام الكامل الذي يأتي فيه بالفاتحة ، فسقطت الفاتحة عنه لأجل سقوط محلها
، وهو القيام التام لقراءة الفاتحة ، وإلا فأصل القيام متحقق مع تكبيرة الإحرام .
قال الماوردي رحمه الله :
" وأما قياسهم عليه إذا أدركه راكعا فلا يصح ....
على أن المعنى - فيمن أدركه راكعا - أنه لما لم يدرك محل القراءة لم تلزمه القراءة
" انتهى من " الحاوي الكبير " (2/143) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" أما من جهة الدليل النظري فنقول : إن هذا الرجل المسبوق لم يدرك القيام الذي هو
محل قراءة الفاتحة ، فلما لم يدرك المحل سقط ما يجب فيه ، بدليل أن الأقطع الذي
تقطع يده لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع ، بل يسقط عنه الفرض لفوات محله ،
كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً ؛ لأنه لم يدرك القيام الذي هو
محل قراءة الفاتحة ، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام . فهذا القول
عندي هو الصحيح " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (13/121) .
وسئلت اللجنة الدائمة
للإفتاء:
كيف نجمع بين حديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وحديث : ( من أدرك من
الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ) ، وهل يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة ؟
فأجابت :
" لا تعارض بين وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبين إدراك الركعة بإدراك الركوع ؛
لأنها في هذه الحالة تسقط عن المسبوق لفوات محلها وهو القيام ، وهي ركن في كل ركعة
من الصلاة في حق الإمام والمنفرد ، وواجبة في حق المأموم ، تسقط عنه إذا نسي أو جهل
أو لم يدرك قراءتها مع الإمام ؛ لما روى البخاري في (صحيحه) عن أبي بكرة رضي الله
عنه أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ،
ثم دخل في الصف ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام : ( زادك الله حرصا
ولا تعد ) ولم يأمره بقضاء الركعة ، فدل على سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم في مثل
هذه الحال " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (5/323-324) .
والله أعلم .
تعليق