الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

لا تعارض بين وجوب قراءة الفاتحة على المأموم وسقوطها عند إدراك الإمام راكعا

221507

تاريخ النشر : 10-09-2014

المشاهدات : 16597

السؤال


اطلعت على إحدى فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في موقعكم ، أن الإمام إذا أسرع في قراءة الفاتحة في الصلاة السرية ، فعلى المأموم أن يتم قراءتها وجوبا ولو سبقه الإمام . فأصبحت أعمل بهذه الفتوى . ولكن جاءني أحد الإخوة فقال لي : عليك باتباع الإمام ، فهو يحمل عنك قراءة الفاتحة ، واستدل بالذي يصل متأخرا إلى الصلاة فيدرك الركعة مع الإمام ، رغم أنه لم يقرأ الفاتحة ، أو قرأ جزءا منها . حقيقة أسكتني ، فلم أقدر على الرد . فكيف تردون على استدلاله ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
قراءة المأموم للفاتحة من المسائل الخلافية المشهورة بين فقهاء المذاهب الأربعة ، وكل إنسان يعمل بما ترجح لديه – إن كان أهلا للترجيح- أو يقلد أحد الأئمة ويعمل بقوله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ، ولم يُهجر ، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه . وإذا كان في المسألة قولان : فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به ، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين " انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/207) .

وقال سفيان الثوري رحمه الله :
" ما اختلف فيه الفقهاء , فلا أنهى أحدا من إخواني أن يأخذ به " انتهى من " الفقيه والمتفقه " (2/135) .

وقد سبق في الفتوى رقم : (10995) أن أرجح الأقوال هو مذهب الإمام الشافعي ، وهو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ، وذكرنا أدلة ذلك .

ثانيا :
أما من احتج على عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم بأن المسبوق إذا أدرك الركوع فقد أدرك الركعة ، مع أنه لم يقرأ الفاتحة .

فالجواب على هذا من وجهين :
الوجه الأول :
أن الدليل الشرعي هو الذي استثنى المسبوق وصحح صلاته رغم عدم إدراكه الفاتحة ، وذلك لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهْوَ رَاكِعٌ ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : ( زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ، وَلاَ تَعُدْ ) رواه البخاري (783) .

فهذه حالة خاصة ، تصح فيها الصلاة مع أنه لم يقرأ الفاتحة .

قال السبكي تعليقا على هذا الحديث :
" كان ذلك مخصصا للدليل الدال على قراءة الفاتحة للمأموم في كل ركعة ، ويبقى فيما عدا هذه الصورة على مقتضى الدليل " انتهى من " فتاوى السبكي " (1/141) .

الوجه الثاني :
أن يقال : إن القيام ركن من أركان الصلاة ، والمسبوق الذي يدرك الإمام راكعا لم يتسن له القيام الكامل الذي يأتي فيه بالفاتحة ، فسقطت الفاتحة عنه لأجل سقوط محلها ، وهو القيام التام لقراءة الفاتحة ، وإلا فأصل القيام متحقق مع تكبيرة الإحرام .

قال الماوردي رحمه الله :
" وأما قياسهم عليه إذا أدركه راكعا فلا يصح ....
على أن المعنى - فيمن أدركه راكعا - أنه لما لم يدرك محل القراءة لم تلزمه القراءة " انتهى من " الحاوي الكبير " (2/143) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما من جهة الدليل النظري فنقول : إن هذا الرجل المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة ، فلما لم يدرك المحل سقط ما يجب فيه ، بدليل أن الأقطع الذي تقطع يده لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع ، بل يسقط عنه الفرض لفوات محله ، كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً ؛ لأنه لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة ، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام . فهذا القول عندي هو الصحيح " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (13/121) .

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
كيف نجمع بين حديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وحديث : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ) ، وهل يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة ؟

فأجابت :
" لا تعارض بين وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبين إدراك الركعة بإدراك الركوع ؛ لأنها في هذه الحالة تسقط عن المسبوق لفوات محلها وهو القيام ، وهي ركن في كل ركعة من الصلاة في حق الإمام والمنفرد ، وواجبة في حق المأموم ، تسقط عنه إذا نسي أو جهل أو لم يدرك قراءتها مع الإمام ؛ لما روى البخاري في (صحيحه) عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ، ثم دخل في الصف ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام : ( زادك الله حرصا ولا تعد ) ولم يأمره بقضاء الركعة ، فدل على سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم في مثل هذه الحال " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (5/323-324) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب