الحمد لله.
نرجو الله تعالى أن يوفقك للتوبة مما وقعت فيه من معصية ، فالزنا إثمه عظيم ، وجزاؤه خطير في الدنيا والآخرة إن لم يسارع العبد إلى التوبة منه ، فقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) الإسراء/32 ، ويقول عز وجل : ( وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/68 - 71.
ومن عذاب الزنا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، قَالَ : فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا ) ثم أخبر أنهم ( الزناة والزواني ) كما في " صحيح البخاري " (7047) .
قال الإمام أحمد : " ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا " كما في " غذاء الألباب " (2/435).
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" ووصف الله الزنا وقبحه بأنه ( كَانَ فَاحِشَةً ) أي : إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر ؛ لتضمنه التجرئ على الحرمة في حق الله ، وحق المرأة ، وحق أهلها ، أو زوجها ، وإفساد الفراش ، واختلاط الأنساب ، وغير ذلك من المفاسد . وقوله : ( وَسَاءَ سَبِيلا ) أي : بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (1/457) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
" الزنا يجمع خلال الشر كلها : من قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، فلا تجد زانيا معه ورع ، ولا وفاء بعهد ، ولا صدق في حديث ، ولا محافظة على صديق ، ولا غيرة تامة على أهله .
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته .
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله " انتهى باختصار من " روضة المحبين" (360).
والحق نقول لك :
إنك أذنبت أولا في حق الله ، وثانيا في حق والدك الذي رعاك وشجعك ولم يقصر في تحفيزك بكل ما يمكن ، في الوقت الذي لم تتحملي فيه المسؤولية ، ولم تحققي أدنى متطلبات النجاح ، بل وقعت في الإثم والعار ، وخنت الأمانة ، وضيعت ما أمرك الله بحفظه من عرضك وشرفك .
ونحن لا نقول هذا لنغلق عليك باب التوبة ، أو نقطك من رحمة الله ؛ وإنما لتعلمي أن عظم الإثم يقتضي صادق التوبة ، وخالص الإنابة إلى الله سبحانه ، وخلع ثياب الكسل والاتكال ، ولبس ثياب الجد والنشاط والعمل الصالح .
وأول ذلك مضاعفة أعمال البر بالوالد الذي خذلتيه في شأن الدراسة ، فالمطلوب منك تعويضه بإثبات النجاح في طاعة الله أولا ، وفي الحياة الدنيا ، بالأخلاق الفاضلة ، وحسن المعاملة ، ومزيد العناية الخاصة به ، بتلبية كل ما يحبه ، واجتناب كل ما يبغضه ، وإكرامه بكل ما تحبه نفسه وتهواه من المباحات ، كي يكون ذلك مكفرا عن غضبه السابق عليك .
أما الزواج من ذلك الزاني فلا يجب عليك ، ولا حتى عليه ؛ بل الواجب الحذر منه ، والتباعد عنه ؛ لما ذكرت من تغريره وخداعه وانعدام ثقتك به .
والحكم الشرعي واضح في أن الزواج مباح لمن وقع في الزنا ثم تاب إلى الله تعالى ، فلا حرج عليك في الزواج من أي متقدم لخطبتك ، إذا صدقت توبتك ، ورأيت في الخاطب من الدين والأخلاق ما ترضين به زوجا وأبا لأولادك .
وللمزيد يرجى النظر في الفتوى رقم : (84038) ، (199600) .
والله أعلم .
تعليق