الحمد لله.
أولا :
كل قرض اشتمل على شرط ربوي فهو محرم ولو رأى صاحبه أن باستطاعته عدم دفع الفائدة
الربوية ، لأنه بمجرد التعاقد فهو قد شارك في عقد ربوي وأعان وأقر عليه ، كما أنه
لا يضمن ما في المستقبل فقد يقع ما يلزمه بدفع هذه الفائدة الربوية .
جاء في " قرارات مجمع الفقه الإسلامي " قرار رقم: 108 (2/1) بشأن موضوع بطاقات
الائتمان غير المغطاة :
" أولا : لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ، ولا التعامل بها إذا كانت
مشروطة بزيادة فائدة ربوية ، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة
السماح المجاني " انتهى من " مجلة المجمع الفقهي الإسلامي " ( 12 / 1979 ترقيم
الشاملة ) .
وصورة القرض الدراسي الذي
سألت عنه هو نفس صورة هذه البطاقات الائتمانية ، فالإنسان لا يدفع الفائدة إلا تحت
شروط معينة وبإمكانه السعي لتجنبها.
ولمزيد الفائدة طالعي الفتوى رقم : ( 136378
) .
ثانيا :
الذي فهمناه من سؤالك أنك أقدمت على هذا القرض لاعتقادك جوازه أخذا بفتوى دار
الإفتاء التي توجهت بسؤالك إليها .
فإذا كان الأمر كذلك ، وكنت تعتقدين أن هؤلاء مؤهلون للفتوى ، فلا حرج عليك فيما
سبق ، فإنما دخلت في هذا العقد بتأويل تعذرين فيه ، إن شاء الله ، وليس على
المستفتي أكثر من ذلك ، ما دام قد اجتهد في طلب حكم الشرع ، وقد قال الله تعالى : (
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ
قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) الأحزاب /5.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فإنّ الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله آمرا
عباده أن يقولوا : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) .
وثبت في صحيح مسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ( قَالَ اللَّهُ :
قَدْ فَعَلْتُ ) .
وفي صحيح البخاريّ ، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
( إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِنِ اجْتَهَدَ
فَأَخْطَأَ فَلَهُ أجر) .
وفي حديث آخر : ( إن الله تبارك وتعالى رَفَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ
وَالنِّسْيَانَ وَمَا يُكْرَهُونَ عليه ).
وقال تبارك وتعالى هاهنا : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ
وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) أي :
وإنّما الإثم على من تعمّد الباطل " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 11 / 116 - 117 ) .
ثانيا :
ينبغي عليك أن تجتهدي في أداء هذا الدين الذي لزمك ، والخروج من آثاره الربوية ،
قدر استطاعتك ، وفي أول فرصة تتاح لك ، ما دمت قد علمت بتحريمه ؛ قال الله تعالى :
( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
) البقرة/275 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ: مَنْ بَلَغَهُ نَهْيُ اللَّهِ عَنِ الرِّبَا فَانْتَهَى حَالَ وُصُولِ
الشَّرْعِ إِلَيْهِ ، فَلَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الْمُعَامَلَةِ ، لِقَوْلِهِ : عَفَا
اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ [الْمَائِدَةِ: 95] وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "وَكُلُّ رِبًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيْ هَاتَيْنِ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ
رِبَا الْعَبَّاسِ" وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ الزِّيَادَاتِ الْمَأْخُوذَةِ فِي
حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، بل عفا عما سلف ...
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ عَادَ أَيْ: إِلَى الرِّبَا فَفَعَلَهُ بَعْدَ
بُلُوغِ نَهْيِ اللَّهِ لَهُ عَنْهُ ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ، وَقَامَتْ
عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ: فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ " .
انتهى مختصرا ، من " تفسير ابن كثير" (1/709-710) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (84285)
، ورقم : (106610) .
ثالثا :
هذا التعامل الربوي : إذا كنت قد أقدمت عليه لأجل فتوى من أفتاك بأن هذا مباح ، لا
إثم فيه ، فلا حرج عليك فيما سبق إن شاء الله ، لأنك قد دخلت في هذا العقد بتأويل
سائغ ، وعلى ظن أنه حلال ، فلا يلزمك شيء من إثمه ، أو آثاره ، إن شاء الله .
وهكذا الحال ، لو قدر أنك قد دخلت فيه مخالفة ، وعصيانا ، ثم من الله عليك بالتوبة
، وتركت ما قدرت عليه من ذلك ، فنرجو ألا يكون قد بقي عليك شيء من إثمه ، ولا يلحقك
شيء من شؤم أكل الحرام ، ولا التعامل بالربا ، ومن تاب : تاب الله عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى :
" فالمسلم المتأول : إذا تاب ، يُغفر له ما استحله ، ويباح له ما قبضه ، لأن المسلم
إذا تاب أولى أن يغفر له إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك ، فهو في
تأويله أعذر من الكافر في تأويله " انتهى من " تفسير آيات أشكلت " ( 2 / 578 ) .
وقال :
" والشريعة أمر ونهي ، فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب ، وكذلك
النهي ، فمن فعل شيئا لم يعلم أنه محرم ، ثم علم ، لم يعاقب ، وإذا عامل معاملات
ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ما قبض ، ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى ، فله ما سلف
" .
انتهى من " تفسير آيات أشكلت " ( 2 / 584 ) .
والله أعلم .
تعليق