الجمعة 26 جمادى الآخرة 1446 - 27 ديسمبر 2024
العربية

المرء محاسب على ما يكتبه كما يحاسب على ما يتكلم به

222134

تاريخ النشر : 06-10-2014

المشاهدات : 97643

السؤال

يوجد آية تقول إن الإنسان يحاسب على ما يتلفظ به ، ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) . السؤال : هل الإنسان يحاسب على ما يكتبه دون أن يتلفظ به ، كإرسال رسالة كتابية وغيره ؟

الجواب

الحمد لله.

كل عمل الإنسان يحصيه الله عز وجل ، سواء كان اعتقادا بالجنان ، أم قولا باللسان ، أم فعلا بالأركان ، وسواء كان الفعل باليد أم بالعين أم بالرجل ، لا تخفى على الله عز وجل منها خافية ، وكلها مسجلة مكتوبة لا تغادرها ملائكة الحسنات والسيئات ، يقول الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) آل عمران/5 ، ويقول سبحانه : ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) غافر/16 ، ويقول جل وعلا : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) المجادلة/6 ، ويقول تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف/49 ، ويقول عز وجل : ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا . اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) الإسراء/13-14 ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة .

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله :
" أما كتاب الملائكة لأعمالنا فحق ، قال الله تعالى : ( وأن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) ، وقال تعالى : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) ... وكل هذا ما لا خلاف فيه بين أحد ممن ينتمي إلى الإسلام " انتهى من " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (4/55) .

ويقول العلامة ابن رجب رحمه الله :
" قال بعض العارفين : إذا تكلمت فاذكر سمع الله لك ، وإذا سكت فاذكر نظره إليك . وقد وقعت الإشارة في القرآن العظيم إلى هذا المعنى في مواضع : كقوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/16-18 ، وقوله تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) يونس/61 ، وقال تعالى : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُون ) الزخرف/80 " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/290) .

وقد فسر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذه الآية الكريمة فقال :
" قال الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18: وما يفعل من فعل كذلك ؛ لأنه إذا كانت الأقوال تكتب ، وهي أكثر بآلاف المرات من الأفعال .. ، فالأفعال من باب أولى .
عليك أن تتقي الله عز وجل ، اتق ربك لا تخالف الله ، إذا سمعت الله يقول شيئاً خبراً ، فقل : آمنت به وصدقت . وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً ، فقل : آمنت به وسمعاً وطاعة . أو نهياً ؛ فقل : آمنت به وسمعاً وطاعة . فاترك المنهي عنه ، وافعل المأمور به ، وهذه نصيحة . ( كل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر ) الحركات مكتوبة ، حروف الأقوال مكتوبة ، كل شيءٍ مكتوب " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .

فالخلاصة أن ما يكتبه الإنسان أيضا يحاسب عليه وإن لم يتلفظ به أثناء كتابته ، فالكتابة من عمله ، والعمل محاسب عليه .

يقول ابن قتيبة رحمه الله :
" من أيقن أنه مسئول عما ألَّف ، وعما كتب ، لم يعمل الشيء وضده ، ولم يستفرغ مجهوده في تثبيت الباطل عنده ، وأنشدني الرياشي :
ولا تكتب بخطك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/112) .

ولمعرفة معنى قوله تعالى : ( رقيب عتيد ) يرجى مراجعة الفتوى رقم : (148026) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب