الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كراهة تخصيص مكان معين في المسجد لا يصلي الفريضة إلا فيه

222455

تاريخ النشر : 25-07-2014

المشاهدات : 99917

السؤال


أرى بعض الناس له مكان معين في المسجد لا يصلي إلا فيه ، خلف الإمام أو على يمين الصف ، فهل هذا الفعل من السنة ؟

الجواب

الحمد لله.


ليس هذا الفعل من السنة ، بل هو مخالف للسنة ، فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أحمد (3/428) ، وأبو داود (862) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ " وقد حسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " (1168) .
( نَقْرَةِ الْغُرَابِ) هُوَ تَخْفِيف السُّجُود بِحَيْثُ لَا يَمْكُث فِيهِ إِلَّا قَدْر وَضْع الْغُرَاب مِنْقَاره فِيمَا يُرِيد أَكْله .
(وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ ) هُوَ أَنْ يَبْسُط ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُود وَلَا يَرْفَعهُمَا عَنْ الْأَرْض كَمَا يَبْسُط السَّبُع وَالْكَلْب وَالذِّئْب ذِرَاعَيْهِ .
( وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ) أي : أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عَطَنِه إلا إلى مَبْرَك دَمِثٍ قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه .
انظر : " شرح السندي لسنن النسائي " ، " عون المعبود شرح سنن أبي داود " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " مجموع الفتاوى " (22/195) :
" ليس لأحد من الناس أن يختص بشيء من المسجد بحيث يمنع غيره منه دائما ، بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيطان كإيطان البعير ، قال العلماء : معناه أن يتخذ الرجل مكانا من المسجد لا يصلى إلا فيه" انتهى .
فيكره للرجل أن يتخذ مكانا في المسجد لا يصلي فيه .
وقد ذكر العلماء عدة حكم لهذا الحكم ، وبعض المفاسد المترتبة عليه .
فمن ذلك : أن العبادة في هذا المكان تصير طبعا وعادة له فيفقد لذة العبادة وحلاوتها .
وأيضا : فيه شيء من الرياء والشهرة ، فقد يصلي في هذا المكان ليقال : هذا مكان فلان .
وأيضا : قد يمنع غيره من الصلاة في هذا المكان ، فيكون قد ظلم غيره ومنعه من حقه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وحكمته : أن يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعادات والحظوظ والشهوات ، وكل هذه آفات أي آفات يتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن " انتهى .
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " :
" يهوى بعض ملازمي الجماعات مكانا مخصوصا أو ناحية من المسجد إما وراء الإمام أو جانب المنبر أو أمامه أو طرف حائطه اليمين أو الشمال أو الصُّفَّة المرتفعة في آخره بحيث لا يلذ له التعبد ولا الإقامة إلا بها وإذا أبصر من سبقه إليها فربما اضطره إلى أن يتنحى له عنها ، لأنها محتكرة ، أو يذهب عنها مغضبا أو متحوقلا أو مسترجعا ، وقد يفاجئ الماكثَ بها بأنها مقامه من كذا وكذا سنة ! وقد يستعين بأشكاله من جهلة المتنسكين على أن يقام منها ، إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التي ابتليت بها أكثر المساجد ، ولا يخفى أن محبة مكان من المسجد على حدة تنشأ عن الجهل أو الرياء والسمعة ، وأن يقال : إنه لا يصلي إلا في المكان الفلاني ، أو إنه من أهل الصف الأول ، مما يحبط العملَ ملاحظتُه ومحبتُه نعوذ بالله . وهب أن هذا المتوطن لم يقصد ذلك فلا أقل أنه يفقد لذة العبادة بكثرة الإلف والحرص على هذا المكان بحيث لا يدعوه إلى المسجد إلا موضعه ، وقد ورد النهي عن ذلك" انتهى .
وقد علق الشيخ الألباني رحمه الله على كلام القاسمي قائلا : " قلت : وقد شاهدت واحدا من هؤلاء - وهو من العوام - لا يصلي إلا وراء الإمام لا يحيد يمنة أو يسرة قيد شعرة ومن زاحمه على ذلك ولو كان من أهل العلم فإنه ينظر إليه نظرة تكون كافية لإرجاعه عن مزاحمه " انتهى .
وقال الشيخ عبد الله الفوزان في " أحكام حضور المساجد " :
" نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير ... إن ملازمة الإنسان لمكان خاص في المسجد قد يفقده لذة العبادة ؛ لكثرة إلفه له وحرصه عليه ، كما أنه قد يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة ، وفيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة التي تشهد له يوم القيامة . وبعض الملازمين لمكان خاص يحقد على غيره إذا رآه في مكانه ، وربما دعاه ذلك إلى إزاحة من سبقه إليه ، أو التضجر منه " انتهى .
ثانيا :
ورد أنه لا بأس بتخصيص مكان معين في المسجد للصلاة فيه في صلاة النافلة ، فعن يزيد بن أبي عبيد قال : " كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُسْلِمٍ ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ . قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا " رواه البخاري (502) ، ومسلم (509).
قال ابن رجب في " فتح الباري " (2/644-648) :
" وفي الحديث دليل على أنه لا بأس أن يلزم المصلي مكانا معينا من المسجد يصلي فيه تطوعا . وقد ورد في رواية التصريح بأن هذه الصلاة كانت تطوعا .
وقد ورد النهي عن أن يوطن الرجل له مكانا في المسجد يصلي فيه .... ثم ذكر الحديث المتقدم في أول الجواب وتكلم على إسناده ثم قال : وقد حمل أصحابنا حديث النهي على الصلاة المفروضة ، وحديث الرخصة على الصلاة النافلة " انتهى .
وهذا الحكم أيضا خاص بالمساجد ، أما البيوت فلا بأس أن يتخذ الرجل مكانا في بيته يصلي فيه ، وقد فعل ذلك عتبان بن مالك رضي الله ، وأقره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري (424) ، ومسلم (33) .
قال النووي في " شرح مسلم " (15/161) :
"وفيه : أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت ، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه " انتهى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب