الحمد لله.
أولا :
حق الوالدين عظيم ولو كانا كافرين ، وإساءة أحدهما مهما بلغت ، لا تبرر للولد أن يقصر في حقوقهما عليه ، فضلا عن أن يسيء إليهما ، وقد أمر الله عز وجل بحسن صحبتهما ، وإن اجتهدوا غاية الاجتهاد في دعوة الولد إلى الشرك ، فقال سبحانه : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/15 ؛ فكيف بالوالدة المسلمة ؟!
وقد روى البخاري ومسلم ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي ؟ قال : (أمك) ، قال : ثم من ؟ قال : (أمك) ، قال : ثم من ؟ قال : (أمك) ، قال : ثم من ؟ قال : (ثم أبوك) " .
وفي الصحيحين أيضا ، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : ( الصلاة على وقتها ) ، قلت : ثم أي ؟ قال : ( بر الوالدين ) ، قلت : ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) .
فالواجب عليك أن تتمالك نفسك عندما ترى من والدتك ما يغضبك ، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن تسلك طرقاً حكيمة في تهدئة غضبها .
وكثيرا ما يكون الأبناء صغارا ، لا يدركون مصلحتهم ، ويظنون أن آباءهم يظلمونهم بالعقوبة ، أو أن لهم رغبة في التعدي على خصوصياتهم وكبت حرياتهم ، ثم عندما يكبرون يدركون حنكة آبائهم ، وصواب أفعالهم .
وستجد كثيرا من الأبناء لا يردعهم آباؤهم عن أخطائهم وشهواتهم ، وتظن أنهم محظوظون بمثل هؤلاء الآباء ، كما يظن ذلك كثير من الشبان الذين هم في مثل سنك .
وقد كان رجل من الناس لا يضربه أبوه ، ولا يبالغ في زجره ، عندما يترك الدرس ، أو يرى منه خطأ ؛ فلما نشأ وكبر ، إذا بالغلمان قد تعلموا وانتفعوا بتأديب آبائهم ، وهو لم يستفد شيئا ، بل فاته التعلم ، وعرف بين الناس بسوء الأدب ، وإهمال والديه له ، فمر يوما بطفل يبكي من عقاب والده له ، فقال له : "ليت أبي كان يعاقبني مثل أبيك" .
وقد فطر الله قلب الأم على الرحمة والشفقة على أبنائها ، والأمهات في ذلك يتفاوتن ، ويندر جدا أن توجد أم تضرب أبناءها ، وهي تستلذ بعقابهم ، فلابد من مصلحة تراها هي في ذلك الضرب ، إما لتحصيل منفعة ، أو دفع مفسدة ، قد لا يقدّرها الابن ، فيظن ذلك تعنتا .
ثانيا :
أما لو تبين أن والدتك غير محقة في معاقبتك ، فالذي عليك أن تسعى في التخلص من عقوبتها، أو تخليص إخوتك من ذلك ، لكن بحكمة وبلطف ، من غير أن يوقعك ذلك في عقوق والدتك ، أو الإساءة إليها ؛ مثل أن تحول بينها وبين ضربهم بإدخالهم في غرفة ، أو إخراجهم من البيت ونحو ذلك ، مع الإحسان إلى الوالدة والمبالغة في ذلك ، امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بها .
وأفضل شيء ألا تتصدى لأمك في وقت غضبها ، بل تجنب ذلك ، أنت وإخوتك ، قدر المستطاع .
وإذا كان لك والد يعيش معكم ، فتفاهم معه ، أن يحاول هو حل هذه المشكلة .
وإذا لم يكن لك والد ، فبإمكانك أن تستعين بأخوالك ، أو ذوي الحكمة من أقربائك المسلمين ، إن كان أحد منهم قريبا منكم ، ورأيت أنه يمكن أن يؤثر عليها ، أو أنها ستنتفع بذلك .
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم ، وأن يحنن قلبها عليكم ، ويجعلكم من الأبناء البررة ، ويجمع قلوبكم على ما يحبه ويرضاه .
وللاستزادة في تأكيد حق الوالدين ينظر جواب سؤال رقم : (30893) ، (13783) .
والله أعلم .
تعليق