الحمد لله.
أولاً :
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن هذه الأمة ستتبع سنن وطرق اليهود والنصارى , فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ ) رواه البخاري ( 1397 ) ، ومسلم ( 4822 ) .
ففي هذا الحديث نهيٌ عن تقليد اليهود والنصارى ، وذم من اتبعهم وسلك مسلكهم ، وقد أكد الشرع هذا النهي ؛ وذلك بوصف من يتشبه بالكفار بأنه منهم ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 3512 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 2691 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص/237) .
والجملة المسؤول عنها وهي (
يا أبانا نشكرك على المساء ) هي في الغالب من أدعية اليهود أو النصارى , فإنهم
الذين يصفون الله سبحانه بأنه أبوهم , تعالى الله عن قولهم , بل الله سبحانه
وملائكته ورسله برآء منهم ومن كفرهم , وتصديق ذلك من القرآن قوله تعالى : (
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ
فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) المائدة/18 .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (160791) أنه لا يجوز أن يقال لله جل وعلا ( يا أبي ) ولا ( يا أبانا ) وأن هذا من كلام أهل الكتابين السابقين اليهود والنصارى .
وعلى ذلك : فهذه الجملة لا يجوز الدعاء بها ، ولا استعمالها .
ثانياً :
أما سؤال السائل عن استبدال هذه الجملة بدعاء ( يا الله نشكرك على المساء ) فهذا
والله مما يدعو للعجب , ويدل على ما وصلت إليه هذه الأمة من الشعور بالذل والنقص ,
والإحساس بالتخلف والانهزامية , ولذا تسارع في تقليد الكفار حتى في أدعيتهم
وابتهالاتهم وطقوسهم الدينية , والعجب كل العجب لمن يترك الأدعية القرآنية التي هي
من كلام رب العالمين جل وعلا , ويترك الأدعية النبوية , وأذكار الصباح والمساء التي
هي من كلام خير البرية , ثم يسارع إلى استعمال أدعية الكفار بعد أن يدخل عليها بعض
التعديلات والتحسينات .
وإذا لم يكن في قول القائل : ( يا الله نشكرك على المساء ) خطأ ، أو مخالفة ، في حد ذاته ؛ فإن الإصباح والإمساء نعمة من نعم الله على عباده التي يمتن بها عليهم ، ويستوجب عليهم شكرها ؛ كما قال تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) القصص/72 – 73 .
فإن قائل ذلك مستحضرا ما
يقوله الكفار ، مراعيا نظم كلامهم ودعائهم : هو من التشبه المحرم بلا شك ، لا سيما
في أمر من أمور العبادة والذكر لله تعالى .
ولذلك يحرم التزام مثل هذا الكلام ، وتعمده ، من هذه الناحية .
ثم يزداد الأمر منعا وتحريما ، وقطعا بوقوع صاحبه في التشبه المحرم : إذا صاحب ذلك
ضم اليدين بالصفة المذكورة ، كما يفعله الكفار من الهندوس ونحوهم ، في صلواتهم ،
وعباداتهم .
والله أعلم .
تعليق