الحمد لله.
أولا :
ما فعله هذا الأب وأولاده مع ابنتهم التي ثبت زناها من حبسها هو الحكمة والصواب , فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة تفعل الفاحشة ولها أولاد , فأجاب : " الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات , فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها ؛ وإن احتاجت إلى القيد قيدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمه ، وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ؛ بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها ، وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك" انتهى من " الفتاوى الكبرى" (3 / 410) .
فإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها : فأولى أن يُفتَى بذلك في الابنة ، فحق الابنة دون حق الأم بكثير , وينبغي أن يضموا إلى ذلك محاولات استصلاحها وحضها على التوبة وتذكيرها بالله جل وعلا ترغيبا وترهيبا , وقد سبق بيان طرق استصلاح الابنة غير المستقيمة في الفتوى رقم : (96371) .
فإن ظهرت أمارات التوبة عليها ، وعُلِم صدقها في ذلك ، أو غلب على الظن أنها قد تابت فعلا ؛ فزوجوها لمن يتقدم لها من المسلمين ؛ لأنها بتوبتها تكون خرجت عن وصف الزنا ، فيصح زواجها من العفيف , ففي الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) , وقد سبق معنى الحديث في الفتوى رقم : (182767) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته " انتهى من "شرح العمدة (4/39) .
وقال أيضا : " التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى" (33/35) .
ثانيا:
إذا اتفق أن تقدم إليها مستور الحال من المسلمين ، أو من هو معروف بالعفة والصلاح ، فلا يجب ، بل ولا يجوز لها ولا لغيرها ، أن يخبره بماضيها الذي تابت منه , حتى ولو كانت قد زالت عذريتها ؛ لأن العذرية تزول بأسباب كثيرة غير الفاحشة ، فتزول مثلا بالحيضة الشديدة , والوثبة الشديدة , والركوب على شيء حاد , ونحو ذلك .
ومتى تزوجت ، ثم ظهر لزوجها أنها ليست بكرا ؛ فعليها أن تستعمل من المعاريض والتورية ما يفهم معه أن زوال بكارتها كان بسبب مباح , ويراجع في ذلك الفتوى رقم : (175808) .
وهذا الذي ذكرناه يغنيك عن كل ما سألت عنه من الزواج الصوري , ثم التطليق , ثم الكذب على القاضي , وغير ذلك مما لا يخلو من إثم وكذب ومخالفة لشرع الله جل وعلا.
ولتعلمي أيتها السائلة أن الزواج عقد خطير وميثاق غليظ , فلا يجوز أن يستعمل في غير ما شرعه الله له من الإعفاف والإنجاب والسكن والمودة .
أما استعماله في أغراض غير هذه كالحصول على الإقامة في بلد ما , أو مجرد الستر على منحرفة , ثم إذا تم الغرض حصل الطلاق ؛ فهذا لا يجوز .
وننبهك إلى أنه إن تم الزواج بين هذه الفتاة وبين شخص ما ، واستجمع عقد النكاح أركانه وشروطه ، فإنه يترتب عليه آثاره كلها , وتصير المرأة زوجا لهذا الشخص ولو كان زواجا صوريا , فإن هزل النكاح جد , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (106719) .
ثالثا:
لا يجب أن تتزوج الزانية زانيا ، لا قبل التوبة ولا بعدها , وليس المقصود من قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ... الآية ) النور/3 ، أن الزاني ليس له أن يتزوج إلا زانية ، وكذلك المرأة الزانية ليس لها أن تتزوج إلا زانيا ، بل المقصود من الآية : حرمة نكاح الزاني أو الزانية من العفيف ، ما لم يتوبا , وقد سبق توضيح ذلك في الفتوى رقم : (199600) .
والله أعلم .
تعليق