الحمد لله.
أولا :
حديث القرآن الكريم عن الجبال يبين أن الله تعالى خلقها ليثبت بها الأرض حتى لا تضطرب ولا تتحرك .
قال الله تعالى : ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ) الحجر ( 19 ) .
وقال تعالى :( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) الأنبياء ( 31 ) .
وقال تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) النبأ ( 6 – 7 ) .
وقال تعالى : (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) النازعات/32.
ووصْفُ الجبالِ بأنها (رَوَاسِيَ) وأن الله تعالى (أَرْسَاهَا) معناه أنها ثابتة . فإن هذا معنى كلمة (رسا) في اللغة العربية . انظر القاموس المحيط (ص 1662) ولسان العرب (14/321) .
وهذا الإرساء لا ينكره علم الأرض ، فبحوثه تثبت أن الجبال راسية في الأرض ، وأنها تُثَبِّت الأرض ، وأن أصولها (جذورها) تحت سطح الأرض أطول من أجزائها الشامخة فوق السطح بعدة أضعاف .
ولذلك فإن الله تعالى ذكر أنه جعل الجبال أوتادا ، والوتد ما يكون منه في باطن الأرض أطول مما يكون خارجها ، وذلك مما يعطيه مزيدا من القوة حتى تثبت فيه حبال الخيمة .
وأما ما يذكره علم الأرض من أن الجبال تتحرك أفقيا عدة مليمترات كل سنة ، وأنها تتحرك رأسيا بزيادة ارتفاعها عن سطح الأرض أو نقصانه عدة مليمترات سنويا أيضا ، فهذه النظريات لا تنافي وصف الجبال بأنها ثابتة وراسخة ، لأنها حركة يسيرة جدا لا يمكن ملاحظتها إلا بالأجهزة بالغة الدقة ، وتظهر آثار تلك الحركة بعد ملايين السنين .
كذا قالوا !! والله أعلم بصدق ذلك ، وظواهر القرآن لا تساعد على ذلك كثيرا .
ثانيا :
مما يذكر هنا قوله تعالى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) النمل ( 88 ) .
فإن بعض المعاصرين ذهب إلى أن المراد بها الإشارة إلى دوران الأرض حول نفسها ، وأن الأرض إذا دارت ، دارت معها الجبال .
وهذا القول ليس بصواب ، بل الصواب في معنى الآية : أنها تتحدث عن يوم القيامة ، وأن الله تعالى ينسف الجبال ويزيلها عن مواضعها ، ويدل لذلك : سياق الآيات ، فإنها تتحدث عن يوم القيامة .
وأيضا : الآيات الأخرى التي جاءت في تسيير الجبال ، فإنها كلها تتحدث عن يوم القيامة .
قال الله تعالى :( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ، وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) النمل ( 87 – 88 ) .
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى : " قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ ) معطوف على قوله: ( فَفَزِعَ ) ، وذلك المعطوف عليه مرتّب بالفاء على قوله تعالى: ( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ ) الآية . أي : ويوم ينفخ في الصّور ، فيفزع من في السّماوات ، وترى الجبال . فدلّت هذه القرينة القرآنيّة الواضحة على أنّ مرّ الجبال مرّ السّحاب كائن يوم ينفخ في الصّور لا الآن " انتهى .
وقال أيضا :
" جميع الآيات الّتي فيها حركة الجبال كلّها في يوم القيامة ، كقوله تعالى : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ) وقوله تعالى: ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) وقوله تعالى : ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) " انتهى من " أضواء البيان " ( 6 / 490 ) .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : " وقوله : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) أي : تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب ، أي: تزول عن أماكنها ، كما قال تعالى: ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ) ، وقال : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ، لَّا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) ، وقال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) " انتهى " تفسير ابن كثير " ( 6 / 217 ) .
تعليق