الحمد لله.
أولاً :
لا حرج عليك في متابعة تعلم القرآن الكريم وحفظه ، ومتابعة دروس العلم مع هذه المعلمة ، ولو سمعتِ منها أقوالا مخالفة .
وأكثر المسائل – ومنها المسألة التي ذكرتيها - التي يحصل فيها الجدال والتعصب والعدوان على القول الآخر : هي من المسائل الاجتهادية التي لا يجوز الإنكار فيها على المخالف ، كما لا يجوز التعصب فيها للرأي ، أو وصف الرأي الآخر بأنه متشدد .
فنحن في حاجة ماسة إلى معرفة فقه الخلاف وأدبه ، ومتى ينكر على المخالف ومتى لا ينكر ؟
فالمسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء ، ولم يكن مع أي من المختلفين دليل قاطع للنزاع : لا حرج على من أخذ بأيٍّ من القولين ما دام يعتقد أنه الراجح ، ولا يجوز له الإنكار على من أخذ بالقول الآخر .
قال الإمام سفيان الثوري
رحمه الله :
" ما اختلف فيه الفقهاء , فلا أنهى أحدا من إخواني أن يأخذ به " انتهى من " الفقيه
والمتفقه " (2/135) .
وقال الماوردي الشافعي رحمه الله :
" أما ما اختلف الفقهاء في حظره وإباحته فلا مدخل له في إنكاره ، إلا أن يكون مما
ضعف الخلاف فيه " انتهى من " الأحكام السلطانية " (ص 367) .
وقال النووي رحمه الله :
" أما المختلف فيه فلا إنكار فيه..... ، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من
الخلاف : فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ، فإن العلماء متفقون على الحث على
الخروج من الخلاف ، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر " انتهى من "
شرح مسلم " (2/23) .
وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (177830) .
فهذه المعلمة التي تسفه القول بوجوب ستر المرأة وجهها ، وتعده تشددا لا أصل له في الدين ، وتصادر أقوال الفقهاء الذين قالوا بذلك ، حتى من فقهاء المالكية رحمهم الله تعالى .... فإنها تقع فيما تنكره على غيرها ، وهو التشدد ، فإنها بسلوكها ذلك تريد أن تلزم الناس جميعا باتباع القول الذي تراه هي راجحا ، وهذا نوع من التشدد ، والتضييق على الناس .
هذا مع أنها في نفسها ،
كغيرها من المقلدين : ليس لهم أن ينكروا على غيرهم ، خاصة على من كان في مثل حالهم
: يقلد غيره تقليدا سائغا .
وأما أن تنكر على عالم مجتهد ، أو تسفه قوله .. ، فهذا أبعد عن الصواب من كل وجه ،
وأشد إيغالا في الخطأ ، ومخالفة طرق العلماء وهديهم ؛ فإن وظيفة المقلد : أن يَسكت
، يعني : فلا ينكر على غيره ، ويُسْكت عنه !! كما قال أبو حامد الغزالي .
ثانيا :
لا حرج على المسلم أن يتبع من العلماء الثقات من يريد ، ولكنه لا يجوز له أن يلزم
الناس باتباع هؤلاء العلماء دون غيرهم ، فكل من اطمأن إلى علم العالم وتقواه لله
تعالى ، فلا حرج عليه أن يقلده ويأخذ بفتاواه .
وينبغي أن تعلم أن بعض فقهاء المالكية الكبار قد ذهبوا إلى أن المرأة كلها عورة .
قال ابن العربي المالكي رحمه الله :
" المرأة كلها عورة ؛ بدنها وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة ،
كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها " انتهى من " أحكام القرآن " (3/616) .
219722) .
فالذي ننصح به هو الابتعاد
عن الجدال والتشدد في الآراء والتعصب الذي يضر ولا ينفع ، ويفرق بين المسلمين ولا
يجمعهم .
وندعوك إلى الاستفادة من جهد التعليم والتحفيظ الذي تقوم به هؤلاء النسوة ،
فتستعينين بهن على طاعة الله تعالى ، وتأخذين أفضل ما عندهن من نشاط وعمل وعناية
بالقرآن الكريم ، وتتركين عنك الجدال معهن في كل ما ترينه مثار شقاق أو نزاع .
نسأل الله تعالى أن يلهمكن رشدكن ويجمع بين قلوبكن .
والله أعلم .
تعليق