الحمد لله.
أولا :
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بمقدار كفايتها بالمعروف ( وهو ما أقره الشرع ، وتعارف عليها الناس ) ، وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض حقوق المرأة على زوجها في خطبته العظيمة في عرفات ، فقال : ( ولَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218) .
والحاجات الأساسية للإنسان هي : المسكن ، والطعام والشراب ، والملبس .
ثم هناك حاجات أخرى لا ينبغي إهمالها : كنفقات التعليم والعلاج والأثاث والأجهزة المنزلية ، والخادمة والمربية للأطفال ... إلخ .
وكل هذه الأشياء يرجع فيها إلى ما تعارف عليه الناس ، فقد يكون وجود الخادمة شيئا هاما وأساسيا في بعض المجتمعات أو العائلات ، فيكون إحضارها وتحمل نفقاتها واجبا على الزوج ، بخلاف المجتمعات التي لا تعتاد ذلك ، فلا يكون إحضار الخادمة فيها واجبا على الزوج .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف وليست
مقدرة بالشرع ؛ بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما ؛
فإن الله تعالى قال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، وقال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ) ، وَقَالَ : (
لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) " انتهى من " مجموع الفتاوى
(34/83) .
وقال رحمه الله – أيضا -
(34/86) :
" وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف ، فمعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوع بحالة
الزوجة في حاجتها ، وبتنوع الزمان والمكان ، وبتنوع حال الزوج في يساره وإعساره ،
وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة ، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف ،
ولا طعام البلاد الحارة كالباردة ، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير . كالمعروف
في بلاد الفاكهة والخمير " انتهى .
والظاهر أن قصده بـ ( الخمير) البلاد التي من عادة أهلها أكل أنواع جيدة من الخبز ،
فيكون ذلك واجبا على الزوج .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم
رحمه الله :
" يجب على الرجل نفقة زوجته بما لا غنى لها عنه ، وكذلك كسوتها بالمعروف ، ومسكنها
مما يصلح لأمثالها " انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " جمع أشرف عبد المقصود
(2/880) .
ويتضح من هذا أن قول زوجك :
" إن الواجب عليه أن يؤمن لك الحد الأدنى من المسكن والملابس والطعام " ليس بصواب ،
بل الصواب أنه يؤمن لك من هذه الأشياء ما يناسب حالك وحاله ، مما اعتاده الناس في
بلادكم .
وقد سبق في كلام شيخ الإسلام أن البلاد التي يعتاد أهلها أكل الفاكهة والخبز الجيد
، يكون ذلك هو المعروف فيها ، ويكون واجبا على الزوج ، ولا يكفي الزوج في هذه
البلاد أن يقدم لزوجته الحد الأدنى من الطعام .
ويقال الأمر نفسه في أثاث البيت والأجهزة المنزلية ... الواجب في هذا كله ما جرى به
العرف واعتاده الناس .
ولذلك قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في حكم الإتيان بخادمة للزوجة قال : "
امرأة ممن يُخدم مثلها ، نقول للزوج : يجب عليك أن تأتي لها بخادم ، فإن قال : هي
امرأة شابة تستطيع أن تخدم نفسها ، قلنا : لكن لها رزقها وكسوتها بالمعروف ، وهذه
امرأة ممن يخدم مثلها ؛ إمَّا لكبرها ، أو لصغرها ، أو لشرفها ، وإذا كانت المرأة
ممن يخدم مثلها لهذه الأسباب الثلاثة ، فإنه يُلزم الزوج بخادم ...
وهذه المسألة راجعة إلى العرف ، ففي عرفنا بالمملكة الخادم لا يجب لأحد ، اللهم إلا
في الأزمنة الأخيرة بدأ الناس يأتون بالخدم ، أمَّا في الأول فلو كانت من أشرف
الناس أو أغنى الناس ، فلا تحتاج إلى خادم ، وهي قد عرفت أنها إنما جاءت لزوجها
لتخدمه ، لكن إذا تطورت الأحوال فالمسألة راجعة للعرف ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة
أرجعت هذا الأمر إلى العرف " انتهى من " الشرح الممتع " (13/461) .
ثانيا :
إذا ثبت أن الزوجة لها على زوجها أن ينفق عليها بالمعروف ، فالواجب على الزوج أن
يتكسب ويعمل ليحصل المال الذي يستطيع به أن يقوم بما أوجب الله عليه من النفقة
بالمعروف .
وفي الوقت ذاته يجب على الزوجة أن تكون معينة لزوجها على الكسب الحلال الطيب ، وأن
تصبر وتتحمل إذا لم يجد زوجها عملا حلالا ، فإن ( كل جسم نبت من حرام فالنار أولى
به ) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا اتقى العبدُ ربَّه فتح الله عليه أبواب الرزق من حيث لا يدري ، قال الله تعالى
: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3 .
ثالثا :
أما استفادتك من مال أبيك ، فقد ذكرت أن والدك يبيع الخمر في أحد المحلات التي
يملكها وهذا لا يجعل ماله حراما عليك ، لأن ماله ليس حراما خالصا ، بل فيه جزء حرام
اختلط بالحلال ، ومال الأب المختلط لا يحرم على أولاده الاستفادة منه ، كما سبق
بيان ذلك في الفتوى رقم (72880) .
وأيضا : هذا المال المحرم ليس كالمال المسروق الذي يحرم على كل أحد أن ينتفع به ، لوجوب رده إلى صاحبه ، وإنما يحرم الاستفادة بهذا المال لمن اكتسبه بطريقة محرمة فقط ، أما أولاده وزوجته وأصحابه ... إلخ فلا حرج عليهم من الانتفاع بهذا المال كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (85419) .
ويتأكد جواز انتفاعك بهذا المال بسبب حاجتك إليه وعدم إنفاق زوجك عليك النفقة التي تكفيك .
وخلاصة الجواب :
- أنه يجب على زوجك أن يعمل ويكتسب حتى ينفق عليك النفقة المناسبة لحالك وحاله ،
مما جرى به العرف في بلادكم .
- إذا تأخر زوجك في الحصول على عمل مباح ، مع جده ، وسعيه في ذلك : فينبغي أن تصبري
حتى ييسر الله له أمره .
- لا حرج عليك من الانتفاع بمال أبيك لأنك محتاجة إلى ذلك ، ولأن مال أبيك فيه نسبة
كبيرة من الحلال وليس كله حراما ، ولأن الحرام الذي فيه إنما يحرم الانتفاع به على
والدك فقط .
نسأل الله تعال أن ييسر لك أمرك ، ويصلح لك زوجك .
والله أعلم .
تعليق