الحمد لله.
أولا :
طاف الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته ماشيا وراكبا ، فطاف طواف القدوم ماشيا ، وطاف طواف الإفاضة راكبا .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ قُدُومِهِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ كَانَ عَلَى قَدَمَيْهِ، أَوْ كَانَ رَاكِبًا؟ .
فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: (طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْربَ عَنْهُ النَّاسُ) .
وَفِي " سُنَنِ أبي داود ": عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ، قَالَ أبو الطفيل: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) ، رَوَاهُ مسلم دُونَ ذِكْرِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ البيهقي، بِإِسْنَادِ مسلم بِذِكْرِ الْبَعِيرِ .
وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمَشْيِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَمَّا سَبْعُهُ [أي : طوفه سبعة أشواط] الَّذِي طَافَهُ لِمَقْدَمِهِ، فَعَلَى قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ فِيهِ: أَنَّهُ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جابر يَحْكِي عَنْهُ الطَّوَافَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي سَبْعٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ حُفِظَ أَنَّ سَبْعَهُ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ فِي طَوَافِهِ يَوْمَ النَّحْرِ " انتهى من "زاد المعاد" (2/ 212).
ثانيا :
أما سعيه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة : فقد سعى سعيا واحدا في حجته ، ابتدأه ماشيا ، ثم أتمه راكبا ، لما كثر عليه الناس . ففي حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ . فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، ...... ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ) رواه مسلم (1218).
قال ابن القيم :
" وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ كَانَ مَاشِيًا، وَقَدْ رَوَى مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أبي الزبير، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ غَشُوهُ) .
وَرَوَى مسلم عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر: (لَمْ يَطُفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) .
والْجَمْعِ بَيْنَهُمَا : أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا أَوَّلًا، ثُمَّ أَتَمَّ سَعْيَهُ رَاكِبًا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ، فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ أبي الطفيل، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ : هَذَا مُحَمَّدٌ ! هَذَا مُحَمَّدٌ ! حَتَى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ " انتهى من "زاد المعاد" (2/ 211).
ثالثا :
رمى النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة يوم النحر على راحلته . فروى مسلم (1297) عن جابر قال : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ).
ثم رمى النبي صلى الله عليه وسلم الأيام الثلاثة بعد النحر ماشيا . فروى الترمذي (900) من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى الجِمَارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ) وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْكَبُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَمْشِي فِي الأَيَّامِ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ . وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا، إِنَّمَا أَرَادَ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ ذَهَبَ يَرْمِي الجِمَارُ، وَلَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ إِلَّا جَمْرَةَ العَقَبَةِ " انتهى كلام الترمذي رحمه الله .
وحديث ابن عمر هذا صححه الألباني رحمه الله أيضا في "صحيح الترمذي"
وروى أبو داود (1969) عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
ورواه أحمد (6222) ولفظه : " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى دَابَّتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي سَائِرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْتِيهَا إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا "
والله تعالى أعلم .
تعليق