الحمد لله.
أولا :
إقامة المسلم في بلاد الكفر ، قد أفتى أهل العلم بأن الأصل عدم جوازها ، وذلك للآتي :
1- ورود الأحاديث النبوية بالنهي عن إقامة المسلم في بلاد الكفر ، والأمر بمفارقة الكفار ؛ ومن ذلك :
ما ورد عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رواه أبو داود ( 2645 ) ، والترمذي ( 1604 ) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 5 / 29 - 30 ) .
وعَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ جَرِيرٌ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ ، وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ ) رواه النسائي ( 4177 ) ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 2 / 227 ) .
2- بلاد الكفر في هذا الزمن كثرت بينهم الفواحش وتفننوا فيها حتى أصبحت من عاداتهم وعرفهم ولا ينكرها عندهم أحد إلا عابوه . فمثل هذه البلاد إذا سافر إليها المسلم ليعيش فيها فقد عرض نفسه للفتن والفواحش .
ثانيا :
السفر والإقامة في بلاد الكفر إنما نهي عنهما لأنهما ذريعة إلى الفساد كما سبق ، إما فساد الشهوات والفواحش ، وإما فساد الدين بجملته فبأن يفتن المرء عن دينه ، وينتقل إلى دين آخر .
وقد تقرر أن ما هو محرم تحريم الوسائل والذارئع ؛ فإنه قد يباح للضرورة أو الحاجة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وما كان منهيا عنه لسد الذريعة ، لا لأنه مفسدة في نفسه : يشرع إذا كان فيه مصلحة راجحة" انتهى من " مجموع الفتاوى ( 23 / 214 ) .
وهذه الحالة – أي وجود مصلحة راجحة - تتصور في مسألتنا هذه إذا توفر شرطان هامَّان عند هذا المسافر إلى بلاد الكفر والمقيم فيها :
الشرط الأول : أن يتمكن من إظهار دينه ، وممارسة شعائره ، وأن يغلب على ظنه الأمن من فتن الشبهات والشهوات المبذولة هناك بيسر .
الشرط الثاني : أن تكون هناك مصلحة راجحة في سفره وإقامته في بلاد الكفر لا يمكن تحقيقها في بلاد المسلمين كطلب علم مهم لا يوجد في بلاد المسلمين أو دعوة إلى دين الله ، ونحو هذا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات .
الشرط الثاني : أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات .
الشرط الثالث : أن يكون محتاجا إلى ذلك .
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة ... " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 6 / 131 - 132 ) .
والذي يظهر لنا ، والله أعلم ، أن الحاجة الماسة غير متوفرة في حالتك ، لأنه لا يظهر مما ذكرته وجود حاجة ماسة أو ضرورة تدفعك للإقامة في بلاد الكفر ؛ لأن هذه الحوادث التي ذكرتها وإن كثرت إلا أنها – على حسب علمنا - لم تصل إلى حد خروج الحياة في باكستان إلى الفوضى العامة ، فما زالت هناك مناطق كثيرة آمنة داخل باكستان ، فيمكن للمسلم أن ينتقل من مدينة أقل أمنًا إلى أخرى أكثر أمنًا .
لكن إذا قدر من حال شخص : أنه لم يعد آمنا على نفسه ، أو على دينه ، وهو في بلده ، ولم يتيسر له العيش آمنا في شيء من بلاد المسلمين ، فلا حرج عليه أن ينتقل إلى حيث يأمن على دينه ، ونفسه ، وأهله ، ولو كان من بلاد الكفار .
وقد سبق في الفتوى رقم : (13363) تفصيل مهم حول هذه المسألة .
والله أعلم .
تعليق