الحمد لله.
أولاً:
يحرم التمييز في العطية بين الأولاد على الصحيح من قولي أهل العلم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المفاضلة بينهم ، وسماها جورا وظلما ، وأبى أن يشهد عليها ، وأمر بإرجاعها .
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما : أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ) فَقَالَ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَارْجِعْهُ ) أخرجه البخاري (2586) ، ومسلم (1623) .
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : ( أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .
نحلت : أي : أعطيت ، من النِّحلة ، وهي العطاء .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية ، وأن التفضيل باطل ، جور ، يجب على فاعله
استرجاعه " انتهى من " الدراري المضية شرح الدرر البهية " (1/348) .
وقد سبق بيان هذا في جواب
السؤال رقم : ( 22169 ) .
ثانيا :
إذا فاضل الأب بين أولاده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل التسوية ،
فالواجب على من أخذ زيادة على غيره أن يرد تلك الزيادة إلى التركة وتقسم على جميع
الورثة . وهو اختيار الإمام البخاري ورواية عن الإمام أحمد . واختاره أيضا : ابن
عقيل وشيخ الإسلام بن تيمية ، ومن المعاصرين : علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ
ابن عثيمين وغيرهم رحم الله الجميع .
ينظر : " فتح الباري " لابن
حجر (5/514) ، " المغني " لابن قدامة (8/269) ، " الشرح الممتع " (11/85) ، " فتاوى
اللجنة الدائمة " (16/218) .
وقد روى سعيد بن منصور (291) بإسناده أن سعد بن عبادة قسم مالا بين ولده وخرج إلى
الشام فوُلد له ابن بعده ، فمات ، فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا : ( إن
سعدا قسم بين ولده وما يدري ما هو كائن ، وإنا نرى أن ترد على هذا الغلام ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" والصحيح من قولي العلماء أن الذي خَصَّ بناته بالعطية دون حَمْلِهِ : يجب عليه أن
يرد ذلك في حياته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده رُدَّ بعد
موته على أصح القولين أيضا ، طاعةً لله ولرسوله ، واتباعاً للعدل الذي أمر به ،
واقتداءً بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا يحل للذي فُضِّل أن يأخذ الفضل ، بل
عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به " انتهى من " الفتاوى
الكبرى " (4/184) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" الصواب : أنه إذا مات - يعني الأب الذي فضل بعض الأولاد - وجب على المفضَّل أن
يرد ما فُضِّل به في التركة ، فإن لم يفعل خصم من نصيبه إن كان له نصيب ؛ لأنه لما
وجب على الأب الذي مات أن يسوي ، فمات قبل أن يفعل صار كالمدين ، والدين يجب أن
يؤدى ، وعلى هذا نقول للمفضَّل : إن كنت تريد بر والدك فرد ما أعطاك في التركة "
انتهى من " الشرح الممتع " (11/85) .
وبناء على هذا : فإن كان
الواقع كما ذكر ، ولم تطب أنفسكم بترك هذا المال لزوجة أخيكم وأولاده : فالواجب
عليهم أن يردوا هذا المال في تركة والدكم ، ليقسم على مستحقيه من الورثة .
والذي نأمله منكم أن تبذلوا وسعكم في حل هذا التنازع بشيء من التصالح والتراضي
والحفاظ على ترابط الأسرة ، وصلة الرحم ، ونذكركم بقول الله تعالى : ( وَلا
تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
البقرة/237 .
والله أعلم .
تعليق