الحمد لله.
أولاً :
بيع العملات بعضها ببعض ، يسمى صرفاً في اصطلاح الفقهاء ، والصرف يشترط لصحته التقابض في مجلس العقد بين البائع والمشتري .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" الصَّرْفُ : بَيْعُ الْأَثْمَانِ [أي : النقود] بَعْضِهَا بِبَعْضٍ . وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا ، أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ . وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ) ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ ) ، ( وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا ، وَنَهَى أَنْ يُبَاعَ غَائِبٌ مِنْهَا بِنَاجِزٍ ) كُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ " انتهى من " المغني " (4/41) .
وينظر للفائدة في جواب
السؤال رقم : (72214) .
ثانياً :
الإيداع في الحساب البنكي ، يعتبر نوعاً من أنواع القبض الحكمي ، كما جاء بذلك قرار
مجمع الفقه الإسلامي رقم : (55/4/6) ، وفيه :
" ثانيًا : إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا .
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية : إذا أُودِع
في حساب العميل مبلغٌ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية " انتهى .
وبناء على هذا ، فالقبض تم
من جهتك فقط ، وتأخر بالنسبة للطرف الثاني ، وهذا يترتب عليه أن الصرف في هذه الحال
لا يصح ، ويفسد بذلك العقد .
ثالثاً :
المال المقبوض بعقد فاسد ، اختلف أهل العلم في إفادته للملك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" فأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ، ونحوهما ، فهل يفيد الملك ؟ على ثلاثة
أقوال للفقهاء :
أحدها : أنه يفيد الملك ، وهو مذهب أبي حنيفة .
والثاني : لا يفيده ، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المعروف من مذهبه .
والثالث : أنه إن فات أفاد الملك ، وإن أمكن رده إلى مالكه ، ولم يتغير في وصف ولا
سعر لم يفد الملك ، وهو المحكي عن مذهب مالك " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/ 327
- 328) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم
: (184263) أنه إذا أمكن التراد بين
المتعاقدين بعقد فاسد ، بأن يرجع كل واحد من المتصارفين ما أخذه من الثاني ، فهذا
هو المطلوب والواجب ، وفي هذه الحال لا مانع من التصارف من جديد .
وأما إذا لم يمكن التراد (كما لو أنفق أحد المتصارفين ما أخذه من مبلغ) ، فلا يلزم
في هذه الحال إرجاع المبلغ المأخوذ .
والله أعلم .
تعليق