الحمد لله.
إذا علمت المرأة عدم رضى زوجها بسكناها في بيت أهلها ، فيجب عليها طاعة زوجها ولزوم بيته ، وألا تخرج إلى أهلها إلا بإذنه ، دليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها ) ، ونقل ابن حجر عن النووي قوله : " اسْتُدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه " .
انتهى من " فتح الباري " (2/347) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها ، أو أمها ، أو غير أبويها ، باتفاق الأئمة " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (3/148) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة : " لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ، ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج " .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (19/165) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل في امرأة لها زوج وأم مريضة : " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من " المغني " (7/295) .
ويرجى مراجعة السؤال رقم (83360) .
ثانيا :
من حقوق الزوجة على زوجها أن يوفر لها مسكنا مناسبا غير موحش ، تأمن فيه على نفسها وولدها ومالها .
وإذا كان المسكن موحشا تتضرر المرأة بالمبيت فيه وحدها ، فيجب على الزوج أن يسعى في رفع هذا الضرر عن امرأته ، بأن ينقلها إلى مسكن تطمئن فيه ، أو يأتي لها بمؤنسة تبيت معها ، كما نص عليه جمع من أهل العلم ؛ لأن إلزام المرأة بالبقاء في البيت وحدها مع الوحشة الحاصلة إضرار بها ، كما أنه ليس من المعاشرة بالمعروف ، وقد قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .
قال في "شرح منتهى الإرادات " (3/288) : " وَيَلْزَمُهُ لِزَوْجَتِهِ مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ ، كَخَوْفِ مَكَانِهَا، وَعَدُوٍّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ ، ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ إقَامَتُهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا " انتهى ، وينظر أيضا " حاشية ابن عابدين " (3/602) .
وفي " فتاوى الشيخ ابن باز " (3/229) : " ويقوم بما يلزم لها من النفقة ، وإيجاد مؤنسة إذا كانت لا تستطيع البقاء في البيت وحدها ، والواجب عليه أن ينصف من نفسه ، وأن يتحرى العدل ويبتعد عن جميع أنواع الضرر " انتهى ، وينظر " فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (10/210).
وفي " حاشية الروض المربع " (7/112) عند كلامه عن المؤنسة ، قال : " والقول قولها في احتياجها لها " انتهى .
ثانيا :
إذا كانت مطالبة المرأة زوجها بمؤنسة أو نقلها إلى بيت آخر ، سيؤدي إلى مفسدة كما ذكرت السائلة ، فلها أن ترفع ضرر الوحشة عن نفسها من دون إذنه ، ولا يلزمها إخباره .
وسقوط الاستئذان عن صاحب الحق - إن كان الاستئذان يفوّت حقه - له أصل في الشريعة ، ودليله ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من إباحته لهند امرأة أبي سفيان أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف ، من غير استئذان ، حين شكت إليه شح أبي سفيان وتقصيره في النفقة عليها وعلى ولدها .
ينظر جواب السؤال رقم : (150250) .
قال ابن رجب في مسألة إطعام المضطر :
" الطعام الذي يضطر إليه غيره : فإنه يلزمه بذله له بقيمته ، فإن أبى فللمضطر أخذه قهرا ؛ وإنما سقط اعتبار الإذن في هذه الصور : لأن اعتباره يؤدي إلى مشقة وحرج ، وربما أدى إلى فوات الحق بالكلية " انتهى من " القواعد الفقهية " (ص32) .
فإذا كان اعتبار الاستئذان في مثل حال السائلة قد يؤدي إلى فوات الحق بالكلية فيما لو ازداد إصرارا عليها لتمكث في بيت والديه طيلة مدة غيابه ، مع طولها وما فيه من ضرر عليها ، أو حصول مفسدةٍ كالطلاق وتشتت الشمل ، ومعلوم أن الشريعة جاءت برفع الضرر فلا شك أن تقليل المفاسد أولى ، وتحصيل ما يمكن من المصالح مقدم ؛ فرخص لها في إزالة الوحشة عنها ، بالإقامة في بيت والديها ، مع توقي ما تخاف من ضرر فساد ذات البين مع زوجها .
ويحسن التنبيه هنا إلى أن هذا الجواز مشروط بما لو كان في بقائها ضرر أو وحشة ، أما إن كانت تريد بيت أهلها طلبا لزيادة الأنس ، أو أنها تضعف عن تعويد نفسها لزوم بيت الزوجية – كما هو الحال في كثير من نساء اليوم - فإنه لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها كما ذكرنا في بداية الجواب .
على أن الواجب أن تسعى مع زوجها لحل هذه المشكلة ، فإذا كانت ظروف عمله لا تسمح له بأن يصطحبها معها ، لتقيم قريبا منه ؛ فلا أقل من أن يسكنها في مكان عامر ، تأمن فيه على نفسها وبيتها ، أو يأذن لها في أن تسكن مع أهلها ، أو ينتقل إليها بعض محارمها ، ليؤنسها في منزل الزوج فترة غيابه ، كما تفعله كثير من النساء .
والله أعلم .
تعليق