الحمد لله.
هذا الحديث رواه نعيم بن حماد رحمه الله في " كتاب الفتن " (573) قال :
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ، وَرِشْدِينُ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ ، عَنْ أَبِي رُومَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ فَالْزَمُوا الْأَرْضَ فَلَا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ ، وَلَا أَرْجُلَكُمْ ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ ، هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ ، لَا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ ، يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ ، أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى ، وَنِسْبَتُهُمُ الْقُرَى ، وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ النِّسَاءِ ، حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ " .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، فيه
علل :
أولا : أبو رومان مجهول ، لم نجد له ترجمة إلا قول ابن منده في " الكنى " (ص 328) :
" أَبُو رُومَان : حدث عَن : عَليّ بن أبي طَالب فِي الْفِتَن . روى حَدِيثه : عبد
الله بن لَهِيعَة ، عَن أبي قبيل عَن أبي رُومَان " انتهى .
ثانيا : ابن لهيعة ، واسمه عبد الله بن لهيعة بن عقبة : اختلط في آخر عمره ، فضعفه
جماعة من العلماء من أجل ذلك ، إلا من عُلم أنه أخذ منه قبل الاختلاط ، وهو مع ذلك
مدلس . انظر : " التهذيب " (5/327-331) ، و" ميزان الاعتدال " (2/475-484) .
ثالثا : نعيم بن حماد - صاحب الكتاب - : له مناكير ، حتى قال فيه النسائي : ليس
بثقة .
" تهذيب التهذيب " (10/ 461) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه
الله :
" وَنُعَيْمٌ هَذَا وَإِنْ كَانَ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، فَإِنَّ
أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ كَانُوا يُحْسِنُونَ بِهِ الظَّنَّ ، لِصَلَابَتِهِ فِي
السُّنَّةِ ، وَتَشَدُّدِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، وَكَانُوا
يَنْسُبُونَهُ إِلَى أَنَّهُ يهِمُ ، وَيُشَبَّهُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ
الْأَحَادِيثِ ، فَلَمَّا كَثُرَ عُثُورُهُمْ عَلَى مَنَاكِيرِهِ ، حَكَمُوا
عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ ، فَرَوَى صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ عَنِ ابْنِ
مُعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ
سُنَّةٍ ، قَالَ صَالِحٌ : وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حَفْظِهِ ، وَعِنْدَهُ
مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ
الدِّمَشْقِيُّ : يَصِلُ أَحَادِيثَ يُوقِفُهَا النَّاسُ ، يَعْنِي أَنَّهُ
يَرْفَعُ الْمَوْقُوفَاتِ ، وَقَالَ أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ : هُوَ
مُظْلِمُ الْأَمْرِ ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ : رَوَى أَحَادِيثَ
مَنَاكِيرَ عَنِ الثِّقَاتِ ، وَنَسَبَهُ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ
الْحَدِيثَ " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/394) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" لا يجوز لأحد أن يحتج به ، وقد صنف كتاب " الفتن " ، فأتى فيه بعجائب ومناكير "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (10 /609) .
رابعا : الوليد بن مسلم كان يدلس شر أنواع التدليس ، وهو تدليس التسوية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله في " طبقات المدلسين " (ص 51) :
" موصوف بالتدليس الشديد " .
وقال أبو زرعة العراقي رحمه الله في " المدلسين " (ص 99) : " مشهور بالتدليس مكثر
منه ، ويعاني تدليس التسوية أيضاً " انتهى بمعناه ، وذكر السخاوي في " فتح المغيث "
(1/227) : أنه كان يدلس تدليس التسوية .
وقد تابعه رشدين بن سعد ، وهو ضعيف ، قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال النسائي :
متروك ، وقال الجوزجاني : عنده مناكير كثيرة . " ميزان الاعتدال " (2/49) .
ويحتمل أن يكون الوليد أخذه عنه ، فلا تصلح متابعته له .
فإذا اجتمعت كل هذه العلل ،
فإنها تدل على أن هذا الحديث شديد الضعف .
وإذا كان الأمر كذلك ، فلا يصح أن يُشتغل بمعناه ، ولا بتنزيله على واقعنا الحالي .
وانظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (171131)
.
والله أعلم .
تعليق