الحمد لله.
أولا :
قول الداعي : " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك " دعاء ثابت ، كما في صحيح مسلم (2739) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ) .
قال المناوي رحمه الله في "
فيض القدير" (2/110) :
" ( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ) أي ذهابها ، ويعم النعم الظاهرة والباطنة ،
والاستعاذة من زوال النعم ، تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي ؛ لأنها تزيلها .
( وتحول عافيتك ) أي تبدُّلها ، فكأنه سأل دوام العافية ، وهي السلامة من الآلام
والأسقام .
( وفجاءة نقمتك ) : بغتة غضبك وعقوبتك .
( وجميع سخطك ) : أي سائر الأسباب الموجبة لذلك ، وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها
" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (135314) .
فيشرع الدعاء بذلك ، ولا بأس بنشره ، وحض الناس عليه .
ثانيا :
أما قوله : " يا فارج الهم ، ويا كاشف الغم ، فرج همي ويسر أمري ، وارحم ضعفي وقلة
حيلتي ، وارزقني من حيث لا أحتسب يا رب العالمين " ، فلا نعلم له أصلا بهذا التمام
، وهذا السياق ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم ، في الدعاء بتفريج الهم وتيسير الأمر وطلب الرزق ، ما هو خير وأنفع
للعبد من ذلك :
فروى أحمد (3704) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ
فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ،
نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ
بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا
مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي
عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ : أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ
صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ
وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ) ، صححه الألباني في " الصحيحة "
(199) .
وروى البخاري (2893) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) .
وقد ورد عن عبد الرحمن بن سابط قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن : ( اللهم فارج الهم ، وكاشف الكرب ، ومجيب المضطرين ، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك ) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/109) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط ، وهو من التابعين ، فحديثه مرسل ، ضعيف .
ثالثا :
الدعاء المذكور لا بأس به من حيث الجملة ، وقد تقدم أنه متى استقام معنى الدعاء ،
وصح لفظه ، جاز الدعاء به ، ولو لم يكن مأثورا .
فانظر جواب السؤال رقم : (103605) .
إلا أنه لا يتخذه عادة ووردا ، ويدعو الناس إلى الدعاء به ، وينشره في المواقع ،
فإن مثل ذلك غير مشروع ؛ إذ لا يشرع المداومة على شيء من الأدعية إلا الثابت بنص
الشرع في الكتاب أو السنة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَيْبًا : مَنْ يَتَّخِذُ حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورِ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانَ حِزْبًا
لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ
يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ ، وَإِمَامُ الْخَلْقِ ، وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى
عِبَادِهِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/525) .
وينظر جواب السؤال رقم : (21902) .
رابعا :
أما أن ينسب هذا الدعاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه قال : ( من أخبر سبعة
من الناس بهذا الدعاء فرج الله همه ) : فهذا لا يجوز ، وخاصة قوله : ( من أخبر سبعة
من الناس بهذا الدعاء فرج الله همه ) ، فإنه باطل لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى
الله عليه وسلم .
وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي
بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في مقدمة
الصحيح (1/7) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون
كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
خامسا :
قوله : " أرسلها بنية الفرج " بدعة أخرى ، فلا يجوز إرسالها بنية الفرج أو غيره ؛
لما اشتملت عليه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحاصل :
أن هذا الدعاء لا بأس به ، وليس في ألفاظه شيء منكر ، إلا أنه لا يجوز أن ينسب إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يجعل له فضيلة خاصة ، ولا أن يحث على نشره بين
الناس . وهناك من أدعية كشف الكرب ما هو ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهي
أولى أن يدعو بها المسلم وينشرها بين الناس .
وانظر جواب السؤال رقم : (113730) .
والله أعلم .
تعليق