الحمد لله.
أولا :
أملنا – قبل الجواب على سؤالك – أن تكون مشاعرك الصادقة تجاه زواجك وولدك ، مشعل النور الذي يتسلل إلى عقلك وروحك ، فيدفعك إلى التأمل أكثر في واقعك ومستقبلك ، وما يريده الله عز وجل منك في حياتك وبعد مماتك .
فالإنسان دائم الحيرة والتساؤل ، دائم الترقب والانتظار ، يشعر أن ما يقدم عليه من مصير : مجهول في أيامه ولياليه ، وما ينتظره في قبره بعد الموت أهم دافع له للبحث عن سعادته ونجاته ذلك اليوم .
والأمر سهل ميسور بإذن الله ، لا يعدو أن يكون عقيدة راسخة بأن الله الذي خلقنا ، وقضى علينا هذه الحياة الدنيا ، وهو معنا ، مطلع على أحوالنا ، إله واحد لا شريك له ، لا والد له ولا ولد ، وأن جميع الرسل والأنبياء – منذ أبينا آدم ، إلى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - هم رحمة رب العالمين إلى البشرية كلها ، أرسلهم ليرشدوا الناس إلى خالقهم ، ويدلوهم على الطريق الذي يعيدهم إلى الجنة التي أخرج منها أبوهم آدم عليه السلام ، حين أكل من الشجرة ، فكانت بداية طريق الابتلاء للناس كلهم على هذه الأرض ، فابتعث الله عز وجل الرسل والأنبياء هداية لطريق العودة إلى تلك الجنان ، كي لا تحيد الشياطين بالبشر إلى طريق الهلاك والخسران .
ولا نكتمك أننا نعجب كثيرا من أولئك الذين يؤمنون بالمسيح عيسى ابن مريم ، صلى الله عليه وسلم ، نبيا ورسولا من رب العالمين ؛ ثم لا يؤمنون بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا نكاد نفهم المنطق الذي يؤدي إلى هذه النتيجة ؟!
ما الذي تميز به المسيح ولم يأت به أيضا محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وأي فوارق واضحة تلك التي تدفع أمثالك من أصحاب العقول الواعية ، والقلوب الرقيقة ، والرغبة فيما عند الله ، والخوف من عقابه وعذابه ؛ ما الذي يدفعك أنت وأمثالك من المنصفين إلى الاستمرار على هذه التفرقة بين الرسل والأنبياء ؟
أليسوا كلهم إخوة يصدق بعضهم بعضا ، ويبشر السابق منهم باللاحق ! أليست عقائدهم واحدة ، وهي الدلالة إلى الله الواحد الأحد ، وشرائعهم متشابهة إلى درجة تشريع الزواج بين المسلم وأهل الكتاب !!
أي تقارب تبحثين عنه أكثر من أن يكون زوجك وولدك من المسلمين ، يؤمنون بالمسيح عليه السلام بشرا رسولا ، ويؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أيضا ؟!
فلم لا يدفعك الفضول إلى مبادلة أسرتك أحسن ما عندهم ، فتؤمنين أيضا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، وتطلعين على تعاليمه التي سينزل المسيح عليه السلام في آخر الزمان يحكم بها ، ويهدي الناس إليها ، فأمة نبينا محمد – المسلمون - تبدأ بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتنتهي بالمسيح عليه السلام ، حين ينزل في آخر الزمان .
لقد قالها أحد النصارى بعد أن أشرق قلبه بنور الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم : " ربحت محمداً ولم أخسر المسيح " .
وإلى هذا الربح ندعوك ، إننا لا ندعوك إلى الكفر بالمسيح عليه السلام ، وإنما ندعوك إلى الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين من آدم إلى محمد مرورا بنوح وابراهيم وموسى وعيسى .. عليهم جميعا الصلاة والسلام .
وبهذا نكون في حزب الرسل والأنبياء كلهم عند ربنا ، وننال السعادة في الدنيا ، وفي قبورنا ، ونلحق بهم في الآخرة في جنات النعيم .
ليس هذا فحسب ، يا أمة الله ؛ بل قد بشرنا النبي الكريم ، صلى الله عليه وسلم ، بأن لمثلك ، ممن آمن بنبيه ، قبل الإسلام ، ثم دخل في الإسلام : أن له أجرين ، لا أجرا واحدا !!
قال نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام : ( ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ .. الحديث ) رواه مسلم (219) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (6389) .
أما أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض فهذا هو الخطر العظيم الذي عده القرآن الكريم كفرا بالأنبياء جميعا ، قال تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/136.
ثانيا :
أما جواب سؤالك المتعلق بالزواج ؛ فلا تقلقي بشأن زواجك ، فهو زواج شرعي وصحيح في الشريعة الإسلامية ؛ لأن شرط " الإحصان " يعني " العفة عن الزنا " للزوجة – سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة – يعني : أن لا يتزوجها الزوج وهي مصرة على فعل تلك الفاحشة ، أما إذا كانت وقعت في الفاحشة في الماضي ثم أقلعت عنها وصارت عفيفة ، فلا حرج على المسلم أن يتزوجها حينئذ ؛ والإسلام لا ينظر إلى تلك الزلة التي أقلع عنها صاحبها وابتعد عنها .
ويؤكد صحة النكاح : أن الزوج لم يكن على علم بما كان منها قبل زواجها به .
ولهذا ، ليس لها أن تفضح نفسها أمامه . فقد انتقلت بانقطاعها عن العلاقات المحرمة إلى صفحة حياة جديدة ، يرجى أن يكون للزوج فيها الحظ الأوفر من التأثير ، فيعلمها أسباب التوبة ، والتعلق بالخالق جل وعلا ، والتقرب إليه بالعبادات اليومية والأذكار والإحسان إلى الضعفاء ونصرة المظلومين ونشر الخير في الأرض ، وحينها ستعلم الزوجة كم كانت في غفلة عن الطريق إلى الله ، وكم كانت بحاجة إلى محبة الله تعالى ، ومحبة طريق الهداية الذي جاء به الأنبياء كلهم ، وهو طريق الإسلام ، كما يقول الله عز وجل : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 .
وأما سؤالك عن ابنك ... إلخ . فلا محل لهذا التساؤل ما دام النكاح صحيحا ، وإذا أردت مزيدا من الفائدة حول الولد الذي جاء من علاقة محرمة ، فلترجعي إلى الفتوى رقم : (21818) .
وأخيرا ... إذا استنقذت نفسك وأعتقت رقبتك من النيران بدخول الإسلام ، لم تعرض لك هذه التساؤلات ، ولم يبق مكان للحزن أو الخوف ، فقد قال الله عز وجل : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/38-39 ، ويقول عز وجل : ( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الأعراف/35-36 .
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى الآتية : (126051) ، (171082) .
والله أعلم .
تعليق