الحمد لله.
أولا :
من أحكام الوقف في الإسلام : أنه لا يجوز بيعه ، ويدل على هذا من السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يوقف نصيبه من خيبر قال له : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، لَا يُبَاعُ ، وَلَا يُوهَبُ ، وَلَا يُورَثُ ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ ) رواه البخاري (3764) ، ومسلم (1633) .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
"وَفِي هَذَا الْحَدِيث : دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَقْف لَا يُبَاع وَلَا يُوهَب وَلَا يُورَث" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (44/ 202) : " يَحْرُمُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَلا يَصِحُّ " انتهى .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
" رأيت أحد الباعة يبيع كتاباً مكتوباً عليه : وقف لله تعالى ، فهل يجوز له ذلك ؟
فأجاب : لا يجوز بيع ما هو موقوف " انتهى .
http://ar.islamway.net/fatwa/29820
ثانيا :
إذا تقرر أن المصاحف الموقوفة ، ومثلها الكتب ، وسائر أنواع ما يوقف : لا يجوز
بيعها ولا شراؤها ؛ فالذي ينبغي هو نصح أصحاب هذه المحلات ، ويبين لهم أنه لا يجوز
لهم المتاجرة في هذه المصاحف .
ونظرا لأن الواقف لهذه المصاحف أراد بذلك أن ينتفع المسلمون بالقراءة فيها ، فلا
حرج على المسلم من شراء هذه المصاحف ، بنية استنقاذها ممن غصبها من مستحقها ، وتاجر
فيها ، ولا حرج عليه في الاستفادة منها بنفسه ، أو إعطائها لغيره ممن يستفيد منها ؛
فإنه يحقق بذلك مقصود الواقف لها ، ولكنها تنتقل إلى المشتري لها على أنها وقف ،
فلا يجوز له بيعها بعد ذلك ؛ بل ولا يجوز له أن يغير شرط الواقف لها إذا كان قد
وقفها على جهة خاصة ، وأمكنه أن يرده إليها .
فإذا لم يمكنه أن يرده إلى الجهة المعينة التي وقفها عليها الواقف الأول ، فإنه
يصرفها في أقرب الجهات إليها ؛ فإذا كان قد وقف المصحف على مسجد معين ـ مثلا ـ وجب
عليه أن يرده إليه ، متى استنقذه من بائعه ؛ فإذا تعذر ذلك ، وضعها في مسجد آخر ،
يحتاج إليها .
قال القاضي أبو يعلى ، رحمه الله :
" ويكون الشراء في الحقيقة استنقاذا وفداء وغير ممتنع أن يقع العقد على وجه
الاستنقاذ ؛ فيكون جائزا في حق الباذل للعوض ، وهو ممنوع منه في حق الآخذ ، بدليل
فك الأسير من أيدي المشركين بعوض يُبذل لهم ، فهو استنقاذ وفداء مباح من جهة الباذل
، ومحرم من جهة الآخذ" انتهى، من "الأحكام السلطانية" (206) .
وينظر : "الكافي" (2/7) .
وسئل ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي رحمه الله عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى كِتَابًا
مَثَلًا مِنْ شَخْصٍ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِقَرَائِنِ
الْأَحْوَالِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْقُوفٌ فَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ هَذَا
الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ إذَا قَصَدَ بِشِرَاءِ هَذَا الْكِتَابِ اسْتِخْرَاجَهُ
وَاسْتِنْقَاذَ الْوَقْفِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَانْدِرَاسِهِ بِتَدَاوُلِ
الْأَيْدِي عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .... إلخ ؟
فَأَجَابَ: "إنْ عَلِمَ الْوَقْفَ كَانَ شِرَاؤُهُ افْتِدَاءً .
وَإِنْ ظَنَّهُ : صَحَّ شِرَاؤُهُ ظَاهِرًا وَأُدِيرَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ
الْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ فَيُعْمَلُ بِهِ حَتَّى
يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ وَمُجَرَّدُ ظَنِّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ اعْتَضَدَ
بِقَرَائِنَ لَا يَرْفَعُهُ " .
انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/126) .
وقال الشيخ عبد الله العقيل ، رحمه الله :
" الوقف لا يجوز بيعه ولا شراؤه ، ولا يحل أخذ ثمنه ، لكن شراء الكتاب الموقوف ؛
استنقاذا لينتفع به لحاجته إليه ، بشرط بقائه على وقفيته وعدم تملكه ، ولا يمنعه
أهله إذا استغنى عنه- أرجو أن لا بأس به بالنسبة للمشتري ، وأما البائع : فلا يحل
له الثمن ، وليس هذا ببيع وشراء حقيقي ، ولكنه استنقاذ كما تقدم. واللَّه أعلم"
انتهى.
تعليق