الحمد لله.
هذا الأثر رواه محمد بن إسحاق قال : حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: " مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ) " كما في " السيرة النبوية " لابن هشام (2/46) .
ومن طريقة رواه ابن جرير الطبري في تفسيره : (22175) (14/445) ، وذكره القاضي عياض في "الشفا" (1/147) .
وهو أثر ضعيف لم يثبت عن عائشة رضي الله عنها ، بل حكم عليه بعض العلماء بأنه
موضوع .
قال الشيخ علوي السقاف في "تخريج أحاديث الظلال" (ص229) : "ضعيف ، رواه ابن إسحاق
بإسناد منقطع " انتهى .
وقد روى ابن إسحاق أيضا نحوه عن معاوية رضي الله عنه ، وضعفه الألباني كما ضعف
الأثر عن عائشة فقال : "لم يصح ذلك عنهما" انتهى من "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية"
(ص246) .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله : " قد تجد حديثين عن عائشة ومعاوية ،
يُفْهِمان أن الإسراء لم يكن بجسده الشريف ، وهما حديثان ليسا مما يحتج بمثلهما أهل
العلم بالحديث ، وقد رواهما ابن إسحاق في السيرة ، قال :حدثني بعض آل أبي بكر أن
عائشة كانت تقول : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى
بروحه) .
فإنهما خبران ضعيفان ، ليس لهما إسناد صحيح ، وقد أطلت البحث عنهما فلم أجد لهما
إسنادًا غير ما ذكر ابن إسحاق .
أما خبر معاوية ، فإنه منقطع ؛ لأن راويه يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، لم
يدرك معاوية ، ولم يدرك أحدًا من الصحابة أصلاً ، وإنما يروى عن التابعين فقط ،
ومات سنة 128 هـ، ومعاوية مات سنة 60 هـ .
وأما حديث عائشة فإنه كما ترون : لا إسناد له ، لأن قول ابن إسحاق : حدثني بعض آل
أبي بكر إبهام للراوي ، فلا نعرف منه من الذي حدثه ، وهل هو ثقة أو ليس بثقة ؟ وهل
أدرك عائشة أو لم يدركها ؟
فكلا الحديثين منقطع الإسناد ، مجهول الراوي ، لا يحتج بمثله عند أهل العلم" .
انتهى من " مجلة المنار " (49/14) الشاملة .
وقد اختلفت نسخ الكتب في لفظ هذا الأثر ، ففي بعضها : (ما فقدت..) بتاء المتكلم
، وفي بعضها : (ما فُقِد) ؛ واللفظ الأول أدل على أنه كذب ، لأن الإسراء والمعراض
كان بمكة قبل الهجرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة
بعد الهجرة ، فكيف تقول : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ؟!
قال الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (3/101) : " كذا فيما وقفت عليه من نسخ السيرة
(فُقِد) بالبناء للمفعول ، وفي الذي وقفت عليه من نسخ الشّفا للقاضي (ما فقدت)
بالبناء للفاعل وإسناد الفعل إلى تاء المتكلّم." انتهى .
ثم قال (3/103): "وأما ما يعزى لعائشة رضي الله عنها، فلم يرد بسند يصلح للحجة ، بل
في سنده انقطاع واروٍ مجهول كما تقدم . وقال أبو الخطاب بن دحية في التنوير: إنه
حديث موضوع عليها. وقال في معراجه الصغير: «قال إمام الشافعية القاضي أبو العباس بن
سريج: هذا حديث لا يصح ، وإنما وُضِعَ ردًا للحديث الصحيح" اهـ ." انتهى كلام
الصالحي .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : " وإنكار عائشة الإسراء بجسده : لا يصح عنها ،
ولا يثبت قولها : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أسري بروحه ).
وقد قال بعضهم عنها : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة) ؛
وهذا من الكذب الواضح ؛ لأن عائشة لم تكن وقت الإسراء معه ، وإنما ضمها بعد ذلك
بسنين كثيرة بالمدينة " انتهى من "الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة" لابن
عبد البر (134-135) ط دار ابن عفان .
والإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان بروحه وجسده كما سبق بيانه في الفتوى
رقم : (84/ar/84314314) .
والله أعلم .
تعليق