الحمد لله.
اشتراط المرأة ألا يتزوج عليها : شرط صحيح جائز كما ذهب إليه المحققون من أهل العلم ، وسواء أكان العرف في بلد الزوجين اقتصار الرجل على زوج واحدة ، أو كان العرف التعدد, لكنها ليست مستعدة للقبول به ، أو التكيف معه .
وإذا أخل الزوج بهذا الشرط : كان لزوجته الحق في فسخ النكاح ، وأخذ حقوقها كاملة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها : فهذا يلزمه الوفاء به ، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح ، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم " .
انتهى باختصار من "المغني" (9/483) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز .
وقال بعض العلماء : إنه لا يجوز ؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له ، فهو مخالف للقرآن : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3 .
فيقال في الجواب على ذلك : هي لها غرض في عدم زواجه ، ولم تعتد على أحد ، والزوج هو الذي أسقط حقه ، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة ، أسقطه ، فما المانع من صحة هذا الشرط ؟!
ولهذا ؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك الشرط صحيح" انتهى من "الشرح الممتع" (5/243) .
وينبغي أن يُعلم أن الزوج إذا أخل بهذا الشرط : لم تطلق زوجته بمجرد ذلك ، بل
يثبت لها الحق في فسخ النكاح ، فإما أن تفسخ ، وإما أن تتنازل عن الشرط وترضى بما
فعل الزوج ، وتبقى زوجة له .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : "من الشروط الصحيحة في النكاح : إذا شرطت عليه
أن لا يتزوج عليها ، فإن وفّى ، وإلا فلها الفسخ ؛ لحديث : ( أَحَقُّ الشُّرُوطِ
أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ) .
وكذا لو شرطت أن لا يفرق بينها وبين أولادها أو أبويها ؛ صح هذا الشرط ، فإن خالفه
؛ فلها الفسخ .
ولو اشترطت زيادة في مهرها ، أو كونه من نقد معين ؛ صح الشرط ، وكان لازما ، ويجب
عليه الوفاء به ، ولها الفسخ بعدمه ، وخيارها في ذلك على التراخي ، فتفسخ متى شاءت
؛ ما لم يوجد منها ما يدل على رضاها ، مع علمها بمخالفته لما شرطته عليه ؛ فحينئذ
يسقط خيارها .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته ، فقال
الرجل : إذاً يطلقننا ؟!
فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط . ولحديث : (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطهمْ) .
قال العلامة ابن القيم : "يجب الوفاء بهذه الشروط التي هي أحق أن يوفيها ، وهو
مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح ؛ فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على
هذا الشرط ، ولو لم يجب الوفاء به ؛ لم يكن العقد عن تراض ، وكان إلزاماً بما لم
يلزمها الله به ورسوله " .
انتهى من "الملخص الفقهي" (2/345 ، 346) .
والله أعلم .
تعليق