الأربعاء 3 جمادى الآخرة 1446 - 4 ديسمبر 2024
العربية

هل ثبت أن ابنة عثمان رضي الله عنه طالبت معاوية رضي الله عنه بالقصاص لأبيها من قتلته بعد أن استتب له الأمر ؟

228859

تاريخ النشر : 06-05-2015

المشاهدات : 42137

السؤال


قرأت في أحد الكتب أن معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما لما قدم إلى المدينة بعد أن استتب الأمر له طالبته ابنة عثمان رضي الله عنه بالقصاص من قتلة أبيها فرد عليها قائلا : أن تكونى بنت عم أمير المؤمنين خير لك من أن تكوني امرأة من عامة المسلمين . ما مدى صحة هذه القصة ؟ وما الذي ثبت عنه رضي الله عنه في أمر القصاص من قتلة الخليفة عثمان رضي الله عنه ؟

ملخص الجواب

والحاصل : أن هذا خبر لا يثبت من حيث الصناعة الحديثية . وعامة من شارك في قتل عثمان رضي الله عنه قتل قبل أن يستتب الأمر لمعاوية رضي الله عنه ، ومنهم من قتل في زمن معاوية . - فقتل كنانة بن بشر التجيبي ، سنة ثمان وثلاثين ، بعد مقتل عثمان بثلاث سنين. "البداية والنهاية" (10/ 661) . - وقتل عبد الرحمن بن عديس سنة ست وثلاثين. "الإصابة" (4/ 282) . - أما عمرو بن الحمق : فقتل زمنَ معاوية ، قال ابن كثير : " كانَ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ قَامُوا مَعَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ، فَتَطَلَّبَهُ زِيَادٌ، فَهَرَبَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى نَائِبِهَا، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ قَدِ اخْتَفَى فِي غَارٍ ، فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، فَمَاتَ فَقَطَعَ رَأْسَهُ ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَطِيفَ بِهِ فِي الشَّامِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ رَأْسٍ طِيفَ بِهِ " انتهى من "البداية والنهاية" (11/ 219) ثم إن معاوية رضي الله عنه - وكان عاقلا حكيما - لم يرد أن يتتبع من بقي ممن شارك في مقتل عثمان رضي الله عنه ، درءا للفتنة ، وخاصة أن عامتهم كانوا قد قُتلوا . وكان رضي الله عنه مشغولا بأمور الدولة والجهاد ، فأراد ألا يفتح على الناس باب شر وفتنة . ويؤيد ذلك : أنه كان من بنود الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهم: " أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم " "الفتوح" -لابن أعثم (4/ 291) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (140984) ، (219799) . والله تعالى أعلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لما قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه رأت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم طلحة والزبير ومعاوية وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أنه لا بد من المطالبة بدم عثمان، ووجوب الإسراع بإقامة حد الله عليهم كما أمر الله .
بينما كان يرى علي رضي الله عنه تأجيل ذلك حتى يبايعه أهل الشام ويستتب له الأمر، ليتسنى له بعد ذلك التمكن من القبض عليهم ، لأنهم كانوا كثيرين ومن قبائل مختلفة ، وكانت تصلهم الأمداد .
قال ابن كثير رحمه الله :
" لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ قَمِيصُ عُثْمَانَ مُضَمَّخٌ بِدَمِهِ ، فَوَرَدَ بِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، فَوَضَعَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ ، وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِ هَذَا الدَّمِ وَصَاحِبِهِ ، فَتَبَاكَى النَّاسُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، وَجَعَلَ الْقَمِيصُ يُرْفَعُ تَارَةً وَيُوضَعُ تَارَةً، وَالنَّاسُ يَتَبَاكَوْنَ حَوْلَهُ ، وَحَثَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِ، وَاعْتَزَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ النِّسَاءَ فِي هَذَا الْعَامِ، وَقَامَ فِي النَّاسِ مُعَاوِيَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَهُ يُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِدَمِ عُثْمَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ ; مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أُمَامَةَ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ شَرِيكُ بْنُ خُبَاشَةَ ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَرُءُوسُ الصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ ، وَالْأَخْذَ بِدَمِ عُثْمَانَ ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَدَدٌ وَأَعْوَانٌ ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ يَوْمَهُ هَذَا " انتهى من"البداية والنهاية" (10/ 425) .

ولما ظن معاوية أن عليا لا يستجيب لهم في القصاص من قتلة عثمان ، أبى أن يبايعه حتى يقتص منهم .
قال ابن كثير :
" خَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ ، فَدَخَلَا عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَا لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، عَلَامَ تُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَقْدَمُ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ سَلْمًا، وَأَقْرَبُ مِنْكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ ، فَقَالَ: أُقَاتِلُهُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ أَوَى قَتَلَتَهُ ، فَاذْهَبَا إِلَيْهِ فَقُولَا لَهُ فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ مَنْ أَهْلِ الشَّامِ " انتهى من "البداية والنهاية" (10/ 507) .

ثانيا :
أما مطالبة ابنة عثمان من معاوية أن يقتص لأبيها ، فقد روي ذلك ولكنه بإسناد ضعيف لا يصح .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُلْوَانُ بْنُ دُوَادَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، فَلَقِيَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَتَوَجَّهَ إِلَى دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَلَمَّا دَنَا إِلَى بَابِ الدَّارِ صَاحَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ عُثْمَانَ ، وَنَدَبَتْ أَبَاهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِمَنْ مَعَهُ: انْصَرِفُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَإِنَّ لِي حَاجَةً فِي هَذِهِ الدَّارِ. فَانْصَرَفُوا وَدَخَلَ ، فَسَكَّنَ عَائِشَةَ، وَأَمَرَهَا بِالْكَفِّ ، وَقَالَ لَهَا: يَا بِنْتَ أَخِي ، إِنَّ النَّاسَ أَعْطَوْنَا سُلْطَانًا فَأَظْهَرْنَا لَهُمْ حِلْمًا تَحْتَهُ غَضَبٌ ، وَأَظْهَرُوا لَنَا طَاعَةً تَحْتَهَا حِقْدٌ، فَبِعْنَاهُمْ هَذَا، وَبَاعُونَا هَذَا، فَإِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ غَيْرَ مَا اشْتَرَوْا شَحُّوا عَلَى حَقِّهِمْ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ شِيعَةٌ، وَهُوَ يَرَى مَكَانَ شِيعَتِهِمْ ، فَإِنْ نَكَثْنَاهُمْ نَكَثُوا بِنَا، ثُمَّ لَا نَدْرِي أَتَكُونُ لَنَا الدَّائِرَةُ أَمْ عَلَيْنَا؟ وَأَنْ تَكُونِي ابْنَةَ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونِي أَمَةً مِنْ إِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَنِعْمَ الْخَلَفُ أَنَا لَكِ بَعْدَ أَبِيكِ " انتهى من"البداية والنهاية" (11/ 433) .
وهذا إسناد ضعيف جدا : علوان بن داود متروك الحديث ، قال البخاري : علوان بن داود ويقال ابن صالح منكر الحديث . وقال العقيلي: له حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ، وقال أبو سعيد بن يونس: منكر الحديث .
"لسان الميزان" (4/ 188)
وقال الجاحظ :
" أخبرنا عن عيسى بن يزيد عن أشياخه قال: ... فذكره بمعناه .
"البيان والتبيين" (3/ 200)
وهذا ضعيف جدا أيضا ، فالجاحظ لا يشتغل بروايته ، وقد رواه عن عيسى بن يزيد عن راوٍ مبهم لا يُدرى من هو ؟ وابن يزيد متروك متهم .
قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث.
وقال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث.
"ميزان الاعتدال" (3/ 328) .
وممن ذكر هذه القصة أيضا ، من أهل الأدب : ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (1/ 67) ، والتوحيدي في "البصائر والذخائر" (8/ 196) ، وابن عبد ربه في "العقد الفريد" (5/ 113) ، وغيرهم ؛ كلهم يذكرها بغير إسناد .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب