الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم افشاء الأزواج للأسرار الزوجية ، وضابط ذلك

السؤال

قلت لأختي وزواجها قريب : إني تألمت بشدة من الجماع في أول زواجي ، فهل فعلي هذا داخل في الوعيد ؟ وهل هناك ضابط فيما يتعلق بالكلام في الجماع أم هو محرم كله ؛ لأنه قد يقع الكلام في ذلك بين الأخوات ، وقد يكون ذلك على سبيل الإرشاد فقط .

الجواب

الحمد لله.

جاء النهي عن نشر أسرار الجماع بين الزوجين .
فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ) رواه مسلم (1437).
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ، ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (10 / 9) .

ولكن إذا احتيج لذكر شيء من ذلك لبيان الحكم الشرعي أو لنصيحة أو لدفع خصومة بين الزوجين ونحو ذلك فإنه لا بأس به .
وإذا أمكن التعريض في هذا فهو أولى من التصريح ، وإذا أمكن أن يذكر الأمر على سبيل العموم والإجمال فلا يذكر التفصيل .
ومما يدل على هذا :
عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: " إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ ؟ ، وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ ، أَنَا وَهَذِهِ ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ ) رواه مسلم (350) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" فيه جواز ذكر مثل هذا، بحضرة الزوجة ، إذا ترتبت عليه مصلحة ، ولم يحصل به أذى ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة ليكون أوقع في نفسه " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (4 / 42) .
ومن ذلك أيضا :
عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ القُرَظِيُّ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا ، وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا - قَالَتْ عَائِشَةُ : مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا ، قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ - وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا - فَقَالَ : كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ ، تُرِيدُ رِفَاعَةَ ... ) رواه البخاري (5825) .
وفي رواية " وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّبَسُّمِ " رواه البخاري (6084) ، ومسلم (1433) .
فعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وعلى زوجها بما صرّحا به من أسرار الجماع : دليل على جواز ذلك عند الحاجة ، والحاجة هنا هي دفع تلك الخصومة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وتبسّمه صلى الله عليه وسلم كان تعجبا منها ، إما لتصريحها بما يستحيي النساء من التصريح به غالبا ، وإما لضعف عقل النساء ؛ لكون الحامل لها على ذلك شدة بغضها في الزوج الثاني ، ومحبتها في الرجوع إلى الزوج الأول ، ويستفاد منه جواز وقوع ذلك " .
انتهى من "فتح الباري " (9 / 466) .
وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى :
" وفيه: أن للنساء أن يطلبن أزواجهن عند الإمام بقلة الوطء ، وأن يعرضن بذلك تعريضًا بينًا كالصريح ، ولا عار عليهن في ذلك .
وفيه : أن للزوج إذا ادعي عليه بذلك أن يخبر بخلاف ويعرب عن نفسه " .
انتهى من كتابه " التوضيح " (27 / 653) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرحه لبلوغ المرام (4/548) عند شرحه لحديث أبي سعيد المتقدم :
"والحديث يدل على تحريم هذا العمل ، أن ينشر الإنسان السر بينه وبين زوجته .... بل يدل على أنه من الكبائر ، لأن فيه وعيداً ، ويستثنى من ذلك : ما دعت الحاجة إليه لبيان حكم شرعي ... ثم ذكر حديث عائشة المتقدم وغيره ، ثم قال : وعلى هذا ؛ فإذا اقتضت المصلحة الشرعية أن يُذكر ما لا يُنشر فإن ذلك لا بأس به ، جائز ، أما ما يفعله على سبيل التندر والتفكه فهذا حرام" انتهى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب