الحمد لله.
أولا :
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، رضي الله عنهن ، والواجب على كل مؤمن أن يكرمهن ويوقرهن .
قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) الأحزاب /6 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
"وقوله : (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي: في الحرمة والاحترام ، والإكرام والتوقير والإعظام " انتهى .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره :
"قوله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) شرَّف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين ، أي : في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال ، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن ، بخلاف الأمهات" انتهى .
ذكر ابن سعد في طبقاته (8/78) :
عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: " قال أبي – يعني لما توفيت عائشة رضي الله عنها :
(أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه) .
وذكر ابن سعد في الطبقات أيضا أن رجلاً وقع في عائشة يوم الجمل واجتمع عليه الناس [يعني : للإنكار عليه] !!، فقال عمار: ما هذا؟!
قالوا: رجل يقع في عائشة!
فقال له عمار: " اسكت مقبوحا منبوحا، أتقع في حبيبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؟!! إنها لزوجته في الجنة " .
وسئل العلامة ابن باز رحمه الله :
ما هو واجب المسلم تجاه أمهات المؤمنين , زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟
فأجاب :
"واجبهم محبتهن والترضي عنهن ، كالترضي عن الصحابة ، ومحبتهن في الله ، يحبهن في الله كما يحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويترضى عنهم ، رضي الله عنهن وأرضاهن ، هذا واجب المؤمن محبة الصحابة في الله ، ومحبة أزواج النبي في الله ، والترضي عن الجميع رضي الله عن الجميع" انتهى .
http://www.binbaz.org.sa/node/17433
ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب زوجاته كلهن رضي الله عنهن ، وكان بعضهن أحب إليه
من بعض ، وكانت عائشة رضي الله عنها أحبهن إليه ، وليس فيهن من كان يبغضها صلى الله
عليه وسلم ، بل كلهن طاهرات طيبات كريمات عفيفات ، من صفوة الله من خلقه ، ولذلك
اختارهن الله تعالى زوجات لنبيه صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى :
(وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26 .
ثالثا :
أما طلاق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة ، فقد طلقها ثم عاتبه ربه عتابا رقيقا ،
وأمره بمراجعتها ، وأثنى عليها باجتهادها في العبادة ، وأخبره الله عز وجل أنها
زوجته في الجنة .
فماذا يريد هؤلاء المفترون بعد كل هذا الثناء والمناقب ؟!
روى الحاكم (6753) عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالَاهَا
، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبَعٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا
زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ )وحسنه الألباني لغيره في " سلسلة الأحاديث الصحيحة "
(2007) .
وروى ابن حبان في "صحيحه" (4276) عَنْ ابن عُمَرَ قَالَ: " دَخَلَ عُمَرُ عَلَى
حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَكِ؟! إِنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَّقَكِ،
ثُمَّ رَاجَعَكِ مِنْ أَجْلِي، فَأَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ طَلَّقَكِ، لَا
كَلَّمْتُكِ كَلِمَةً أبدا" قال الهيثمي في "المجمع" (9/ 244): " رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ " ، وصححه الألباني في "الإرواء"
(7/158)
فتبين بذلك أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما طلق حفصة ، راجعها لثلاثة أسباب :
الأول : أنها كثيرة العبادة لله عز وجل ، من الصيام والقيام ، ومثل هذه ينبغي أن
تكون زوجة، لا أن تطلق .
الثاني : أن الله تعالى قضى أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وما
قضاه الله قدراً ، لا يمكن مخالفته بحال من الأحوال .
الثالث : إكراماً من النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها عمر رضي الله عنه ، فقد كان
أحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر رضي الله عنهما .
وليس في الحديث أن الرسول
صلى الله عليه وسلم كان يبغضها ، ولا أنه كان يتمنى لها الموت ، سبحانك هذا بهتان
عظيم ؛ بل خلق الرسول صلى الله عليه وسلم يأبى ذلك ، ولا يمكن أن يظن برسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه يتمنى الموت لمسلم ليستريح منه .
وقد جاء في حديث حفصة نفسها رضي الله عنها أنها قالت : (وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي
عَنْ شِبَعٍ) ، ومعناه : لم يمل مني ، ولا كرهني وأبغضني .
بل جاء في صحيح البخاري (2468) لما غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من زوجاته ، وحلف
أن لا يقربهن شهرا ، دخل عمر على حفصة رضي الله عنها وقال لها : " لَا يَغُرَّنَّكِ
أَنْ كَانَتْ جَارَتُكَ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ [أي : أجمل] وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يُرِيدُ عَائِشَةَ " ثم أخبر عمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بما قاله لحفصة ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
والفعل (أحب) في اللغة العربية يدل على أن الطرفين مشتركان في المحبة ، غير أن
أحدهما أكثر من الآخر فيها .
وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ، وأقره ولم ينكره ، وتبسم رضىً به .
فكيف يُدعى بعد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبغضها ويتمنى موتها ؟!
بل نفس حديث طلاقها ، يدل
على فضلها رضي الله عنها ، لما فيه من الثناء من رب العالمين عليها.
قال الشيخ محمد بن آدم الأثيوبي في " شرح سنن النسائي " (29/352) في فوائد هذا
الحديث :
"منها: بيان ما كان يحصل للنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم من المشكلة الزوجيّة ، حتى
يؤدّي ذلك إلى أن يفارق أهله، وذلك تشريعًا لأمته ، كيف يطلّقون ، وكيف يراجعون ،
ورفعًا لدرجاته صلى اللَّه عليه وسلم ؛ لأن ذلك من المصائب الدنيويّة التي يؤجر
عليها العبد ، حيث يلحقه بسببه الغمّ والهمّ .
ومنها: بيان فضيلة عمر بن الخطّاب رضي اللَّه تعالى عنه ، حيث إن اللَّه تعالى أمر
نبيّه صلى اللَّه عليه وسلم بمراجعة ابنته بعد طلاقها، رحمة به رضي اللَّه عنه .
ومنها: بيان منقبة أم المؤمنين حفصة رضي اللَّه تعالى عنها ، حيث أمر اللَّه تعالى
نبيّه صلى اللَّه عليه وسلم بمراجعتها بعد الطلاق ، وأخبره بأنها زوجته في الجنّة "
انتهى .
وهؤلاء الذين يقدحون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنهم "أكذب طوائف الأمة على الإطلاق" انتهى من "مجموع الفتاوى (27/125).
والذي ننصح به السائلة ، إذا
لم يكن عندها من العلم الشرعي ما تستطيع به الرد على أولئك المفترين : أن لا تستمع
لشبهاتهم ، ولا تجادلهم ، ولا تدخل إلى مواقعهم .
وليكن اهتمامها أولاً بتعلم الكتاب والسنة ، وفهمهما والعمل بما فيهما .
ثم لا بأس بعد تحصيل القدر اللائق من العلم الشرعي الصحيح ، لا بأس بمعرفة عقائد
الفرق الضالة ، ثم الرد عليهم ، لمن تأهل لمقام الجدال والرد .
والله أعلم .
تعليق