الحمد لله.
أولاً :
إذا نذر الإنسان التصدق بمال غيره – ولو كان ابنه – فهو من باب " نذر ما لا يملك".
وقد صحت السنة النبوية في أن مثل هذا النذر باطل ، وغيرُ لازم ، ولا عبرة به .
عنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : (لَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ) رواه
البخاري (6047) ، ومسلم (110) .
قال المناوي : " أَي لَو نذر عتق من لَا يملكهُ ، أَو التَّضْحِيَة بِشَاة غَيره ،
وَنَحْو ذَلِك : لم يلْزمه الْوَفَاء بِهِ ، وإن دخل فِي ملكه " انتهى من "التيسير
بشرح الجامع الصغير" (2/325).
وفي "مرقاة المفاتيح" (6/2236) : " وفي رواية : ولا نذر فيما لا يملك ، أي : لا صحة
له ، ولا عبرة به " انتهى .
ثانياً :
من نذر نذراً في شيء مملوك لغيره ، فلا يلزم صاحب الملك شيءٌ ، كما لا يلزم الناذر
شيءٌ ؛ لأن هذا النذر لغو لا أثر له ، وليس فيه كفارة يمين .
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (1641) من حديث عمران بن حصين : " أن امرأة من
الأنصار أُسرت مع ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء ، فهربت من الأسر على تلك
الناقة وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا ،
فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَتْ : إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا.
فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ،
فَقَالَ: ( سُبْحَانَ اللهِ ، بِئْسَمَا جَزَتْهَا ، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ
نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا ! لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَة
ٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ ).
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل نذرها ، ولم يرتب عليه شيئاً
في حقه أو حقها.
قال أبو العباس القرطبي : " إذ لو كان هنالك حكم لبيَّنه للمرأة ؛ لأنه لا يجوز
تأخير البيان عن وقت الحاجة " انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (15/
62) .
وقال النووي : " لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَا يَلْزَمُ
بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ " .
انتهى من "شرح صحيح مسلم" (2/125).
ثالثا :
اختلف العلماء فيمن نذر شيئا معينا لا يملكه : هل تجب عليه كفارة يمين أم لا ؟
قال ابن الملقن :
" وهل يجب عليه فيه كفارة يمين ؟
قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وداود والجمهور: لا ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا
نذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد) رواه مسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله
عنه .
وهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين ، ولا يملكه ، بأن قال: إن شفى الله
مريضي فللَّه علي أن أعتق عبد فلان ، أو أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك .
فأما إذا التزم في الذمة شيئا لا يملكه : فيصح نذره ، كإن شفى الله مريضي ، فللَّه
علي عتق رقبة ، وهو في ذلك الحال لا يملك شيئًا.
وقال أحمد: يجب في النذر في المعصية ونحوها : كفارة يمين ، وفيه حديث من طريق عمران
بن حصين وعائشة: ( لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين) ، لكنه حديث ضعيف باتفاق
المحدثين، كما نقله النووي في شرح مسلم" انتهى من "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"
(9/303).
وقال الشيخ عبد الله البسام : " الحديث يدل على أن النذر لا يصح ، ولا ينعقد في شيء
لا يملكه الناذر حين نذره ، حتى ولو ملكه بعده ، فلا يلزمه الوفاء به ، ولا كفارة
عليه ".
انتهى من "توضيح الأحكام " (5/ 514).
والحاصل :
أن النذر الذي نذرته والدتك لم ينعقد ، ولا يترتب عليه شيء ، والأحوط أن تخرج كفارة
يمين مراعاة لمن أوجب ذلك من أهل العلم .
والله أعلم .
تعليق