الحمد لله.
ليس من الأدب أن ينادي الولد أباه باسمه أو كنيته ، وإذا كان الأب يتأذى من ذلك ويكرهه : فهو من العقوق .
وقد أمر الله تعالى الولد بمخاطبة أبويه خطاب التوقير والاحترام ، فقال : (وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً)
قال القرطبي رحمه الله : (قَوْلًا كَرِيماً) أَيْ لَيِّنًا لَطِيفًا، مِثْلَ: يَا أَبَتَاهُ وَيَا أُمَّاهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا وَيُكَنِّيَهُمَا .." انتهى من "تفسير القرطبي" (10/ 243) .
وقال الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" (ص 26):
" بَابُ لَا يُسَمِّي الرَّجُلُ أَبَاهُ وَلَا يَجْلِسُ قبله ولا يمشى أمامه "
ثم روى عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: لِأَحَدِهِمَا مَا هَذَا مِنْكَ؟ ، فَقَالَ أَبِي فَقَالَ: ( لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تمش أمامه، ولا تجلس قبله ) .
قال الألباني : "صحيح الإسناد".
وقال النووي رحمه الله :
" باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه " .
ثم روى عن عبيد الله بن زَحْر قال: " يُقال من العقوق: أن تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق " انتهى من "الأذكار" (ص 291) .
قال ابن علان في شرحه لأذكار النووي : "وإنما نهي عن دعاء من ذكر باسمه : لأنه خالٍ عن التعظيم المطلوب منه مع من ذكر" انتهى .
وإذا كان الأب لا يكره من ابنه أن يناديه بكنيته مثلا : فليس من العقوق ، لا سيما إن جرى عرف الناس في بلدهم عليه ؛ وإن كان الأكمل في الأدب والبر : أن يناديه بما يدل على التعظيم كـ "أبي " ونحو ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله :
هل يجوز أن تنادي والدك بكنيته يا أبا فلان أي: بابنه الأكبر وهو أخوه الأكبر، وكذا
أثناء المحادثة، علماً أن الوالد لا يكره ذلك، بل قد يرغبه ، وهو متعارف عليه؟
فأجاب :
" لا بأس به، يعني: لا بأس أن ينادي الولد أباه باسمه ، أو كنيته ؛ ما لم ير أن
أباه يكره هذا، فإذا كان يكره هذا فلا، أو يخالف عادة الناس ، ويناديه أمام الناس،
لأنه ربما يكون الأب لا يكره هذا الشيء ، لكن عادة الناس أنه لا ينادى أمام الناس
باسمه ، أو كنيته ؛ فحينئذ نقول: لا تناديه أمام الناس باسمه أو كنيته؛ لأن هذا عيب
عند الناس، أظن أنك لو ناديت أباك مثلاً في السوق عند الناس ، واسمه عبد الله ،
تقول: يا عبد الله ، أو يا أبا فلان، الظاهر الناس يعيبون هذا .
فإذا كان أمام الناس : لا تناديه باسمه ولا بكنيته ، وإن كان لا يكره، لأنه عيب عند
الناس، ويعدون هذا إهانة لأبيه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (159/ 21) بترقيم
الشاملة .
وسئل أيضا :
هل مناداة الوالدة باسمها يعد عقوقاً لها ؟ وإذا كنت متعوداً على ندائها باسمها ،
وهي ترضى بذلك ، فهل هذا جائز؟
فأجاب:
" يجوز للإنسان أن ينادي أبويه أو أحدهما باسمه، لكنه ليس من الأدب أن يفعل ذلك، بل
يقول: يا أمي ، يا والدي ، يا أبي، وإذا أضاف الاسم إلى هذا لا بأس، مثل أن يقول يا
والدي فلان، يا والدتي فلانة، أما أن يذكر اسميهما بدون أن يذكر وصف الأبوة أو
الأمومة فإن هذا يعتبر خلاف الأدب ".
يا فضيلة الشيخ: إذا قال يا أم فلان؟
فأجاب: " إذا كان كل الناس لا يعدون هذا مخالفا للأدب ، فيجوز .. " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/ 2) بترقيم الشاملة .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
اعتدنا أنا وإخوتي الذين هم أكبر مني سناً أن ننادي والدتنا باسمها، وهي راضيةٌ عن
ذلك، فهل نأثم؟
فأجاب :
" لا أعلم ما يدل على الإثم، لا أعلم شيئاً في ذلك، لكن إذا تيسر أن تدعى بالكنية:
أم فلان، أو يا والدتي أو يا أماه أو يا أمي ، قد يكون هذا أحسن في الأدب، وإلا فلا
أعلم حرجاً إذا قال: يا فلانة يا فاطمة يا نورة يا حفصة لا حرج في ذلك، لكن من
الأدب الشرعي ومن التلطف أن تدعى بالكنية: يا أم فلان أو يا والدتي أو يا أمي ونحو
ذلك، هذا أحسن في الأدب " انتهى .
http://www.binbaz.org.sa/node/9385
وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :
إذا نادى الابن أباه بكنيته، فهل هذا من العقوق؟
فأجاب :
" هذا يختلف باختلاف العرف والأحوال، في بعض الأحيان قد يحب الوالد أن يدعى بكنيته
من ولده، لكن الأصل أنه لابد من تذلل الابن لأبيه؛ لأن الله يقول: (وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) ، فلابد أن يخاطبه مخاطبة تشعره بمنزلته، كقوله: يا
أبتِ، وهذا هو الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، وينبغي تحريه ، فيناديه بالأبوة؛
حتى يشعره بالفضل عليه وأنه دونه.
وإذا لم يجر بهذا عرف -أي مناداة الأب بكنيته- فهذا فيه قبح .
وأشنع من هذا أن يناديه باسمه المجرد .
لكن إذا جرى عرف أن الوالد ينادى في بيته وولده بالكنية ، ولا يتأثر بذلك ، ولا
يتضرر : فهذا شيء آخر .
لكن المحفوظ أنه يناديه يا أبتِ، ويشعره بحقه عليه " .
انتهى من "شرح زاد المستقنع" (323/ 19) بترقيم الشاملة .
تعليق