الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

زوجته تطلب الطلاق وهم في بلاد الغربة

237678

تاريخ النشر : 02-01-2016

المشاهدات : 17580

السؤال


مشكلتي أني كنت في الغربة فترة من الزمن ، بعيدا عن زوجتي وأولادي ، والآن أردت أن آتي بهم ليعيشوا معي في أمريكا ، المشكلة أن زوجتي تقول لي : إنها لا ترغب بالاستمرار معي ، وإنها وصلت إلى الشعور بأنها لا تستطيع إعطائي حقي أمام الله ، وهي تريد الخلع . يشهد الله أني كنت أعاملها بما يرضي الله طوال فترة زواجنا التي تقارب العشر سنوات ، وهي تقول ذلك أيضا ، ولكنها تقول : إن هذا الشعور موجود عندها منذ ما يقارب العام ، والسبب هو بعض المشاكل التي حدثت معها وأنا في الغربة ، أثناء عدم وجودي بقربها . أنا تفهمت الموضوع ، ولكن لدي شعور بالغضب ، ومستعد لإعطائها فرصة للرجوع بسبب وجود الأولاد ، وللحفاظ على البيت ، وعلى أمل أن يتغير موقفها ، ولكنها مصرة . المشكلة أنها لا تستطيع مواجهة أهلها بطلب الخلع ، تقول لي : تريد أن تُطلق بدون معرفة أهلها وتظل في أمريكا ، لتبدأ حياتها من جديد ، مع العلم أنها ليس لديها أي أقارب هنا ، ولكنها تريد أن تشعر أنها مستقلة . أنا أرفض وأصر أن الخلع حق شرعي لها ، ولنعد إلى بلدنا ، ونعمل الإجراءات اللازمة ، هي تخاف من سوء معاملة أهلها لها ، ولهذا تفضل البقاء هنا بشرط أن تطلق .

لا أدري هل ألبي رغبتها أن تطلق من دون معرفة أحد ، والبقاء في أمريكا ؟ أستطيع أن أعيش في بيت آخر بعد انقضاء العدة ، أم إن بقاءها هنا وحدها مطلقة سيجلب مفسدة أكبر ؟ أم ماذا يجب أن أفعل ؟ مع العلم أني لا أريد هذا الطلاق ، من باب درء مفسدة رجوعها عند أهلها والحفاظ على أولادي معي ومعها ، ولا أريد أيضا أن أظلمها ، هي تقول : أنت تعلم أن أهله لا يرحمون ولن يتفهموا .

أحد الحلول هو أن تبقى هنا مجبرة تحت ضغط أهلها ، ولكن من غير طلاق ، وأصبر على الوضع الحالي لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، مع أنها تقول : إن هذا الحل يعني أن نعيش في جحيم .

الجواب

الحمد لله.


من الواضح أن زوجتك تعيش اضطرابا في الشخصية ، وعدم استقرار في الرأي ، حيث لا يبدو فيما ذكرت أي سبب وجيه لطلبها الخلع ، وهدم الأسرة ومفارقة الزوج والأولاد ، ولا يمكن لوحدتها التي قضتها بعيدة عنك أن تؤدي بها إلى هذه الحال ، وقد فرج الله عنكما ، وجمع الشمل بعد الفراق ، وأكرمها بأسرة صالحة مستقرة ! فالواجب عليها أن تشكر الله عز وجل على هذه النعمة ، وأن تعرف لله حقه ، ولأسرتها حقها ، ولأهلها في بلدها حقهم ، فتحفظ هذه النعم ، وتعلم أن ما تطلبه من الفراق هو كفران للنعمة ، وظلم للنفس والأسرة ، وطريق للشقاء والتعاسة ، وباب من أبواب الفساد تفتحه ولا تدري هل تتمكن من إغلاقه فيما بعد أم لا !
لذلك فالنصيحة لك أن لا تتعجل في الاستجابة لطلبها ، وتركها غريبة في بلاد الغربة ، بل تصبر عليها مع إبقاء رباط الزوجية ، سواء أقمت معها في منزل واحد ، أم بت في منزل قريب منهم ، المهم أن تمنح نفسيتها المضطربة الوقت الملائم الكافي ، لكي تستقيم وتعتدل ، وتواصل التفكر في الأسباب الحقيقية التي أدت بها إلى هذه الحال ، فتعمل على علاجها وتجاوزها ، وتستمر في تذكيرها بتقوى الله ، والشفقة على الأبناء ، وتستعمل في ذلك أساليب الترغيب التي تحبها ، وتذكرها بالعلاقة الجميلة التي جربتها وإياها يوما ما ، والذكريات الطيبة التي مرت بكما ، بالهدية أو المفاجأة السارة أو المصارحة بحقيقة المشاعر والعواطف ، حتى تبدأ تتلمس النعمة الجديدة التي أنعم الله بها عليها ، وتستشعر ثقل مغادرتها والعيش منفردة بعيدة عن هذه الطمأنينة ، وخاصة شأن الأولاد الذين سيتفرق شملهم بين الوالدين ، واضطرارها لتدبر أمور الحياة المالية واليومية .
فإذا تأملت ذلك كله ، رجونا لها أن تعدل عن طلبها ، أو على الأقل : أن تتريث فيه ، وأنت في جميع ذلك تنظر إليها نظر مشفق رحيم ، تعلم أنها بحاجة لمساعدة ودعم نفسيين ، وفي أمس الحاجة للنصح والتوجيه والإرشاد ، فإن سارَعْتَ أنت واستجبت لطلبها الطلاق ، كنت قد أعنت الشيطان على نفسها .
وفي المقابل أيضا ينبغي عليك أن تفتش جاهدا ؛ فلعل هناك تقصيرا من جهتك ، وتبحث عن مكامن الخلل التي أدت بزوجتك إلى رغبتها بفراقك ، وهذا لا يعني أننا ننسب الخلل إلى جهتك ، أو أننا نعذرها فيما هي عليه من الحال المعوج ؛ ولكننا في الوقت نفسه نذكرك بأن كل بني آدم خطاء ، والنقص يعتري الإنسان ، ولا يملك عنه حولا ، فقد يكون الفتور العاطفي من جهتك ، أو الإهمال التربوي والنفسي ، أو السلبية الزائدة التي قد تكون تعاملت بها ، أو المشكل المالي مثلا ، قد تكون هذه العقبات ، كلها أو بعضها ، هي التي أدت إلى ما وقع لزوجتك ، وكثيرا ما يقع ذلك لزوجات المغتربين ، الذين تشغلهم أعمالهم حتى عن التواصل مع أهليهم ، وسؤالهم عن تفاصيل حياتهم ، فيبدأ القلب يسلو شيئا فشيئا ، والنفس تعتاد الجفاء والقسوة ، حتى يبلغ الأمر ما بلغ عند زوجتك .
ولهذا كان من حكمة الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يحرم الزوجة بغياب زوجها في الجيش أكثر من أربعة أشهر ، كما روى ذلك ابْن عُمَرَ، قَالَ: " خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ :
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا حَبِيبَ أُلَاعِبُهْ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : كَمْ أَكْثَرُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا ؟
فَقَالَتْ : سِتَّةُ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لَا أَحْبِسُ الْجَيْشَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا "
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (9/51) .
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
" إذا كان يخشى شرا على أهله ، أو يخشى أن الحالة تسوء بينه وبينهم ، فينبغي له أن يلاحظ العودة إليهم سريعا ، في الوقت المناسب ، ولا يرتبط ارتباطا طويلا قد يفضي إلى الفرقة بينه وبين أهله ، أو يفضي إلى مضرة عليهم ، ولا سيما إذا كان يخاف عليهم من الفساد ، فينبغي أن يلاحظ هذا بنقلهم معه ، أو الزيارة التي تكون قريبة لا بعيدة ، ويتفق مع من يعمل عندهم ، على هذا الشيء ، وكذلك إذا كان في طلب العلم : يحرص على الزيارة في الأوقات المناسبة ، كالإجازة الصيفية ، أو غيرها من الأوقات التي يمكن أن يزور فيها ، حتى يجمع بين مصلحتين ، مصلحة طلب العلم والعمل ، ومصلحة أهله وزيارتهم وقضاء حاجتهم " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (21/ 321) .

ثم بعد ذلك كله ؛ فإن كان ولا بد من الفراق ، ولم تستقم زوجتك على العشرة معك بالمعروف ، ولم تقدر لك ذلك كله ، ولا جاهدت نفسها ، وهواها ، وشيطانها : فليكن ذلك بعلم أهلها ومشورتهم ، وليس في ذلك ظلم لها ولا تقصير بحقها ، بل فيه حفظ وصيانة لها عن أوحال الغربة وهمومها ، ودرء لمفاسد عديدة ، يمكن أن يكون الأهل عونا في حلها وعلاجها ؛ فإياك أن تعطيها ما تطلب ، وتعينها على هواها بفراق بيتها ، وأسرتها ، ثم تركها في الغربة ، بلا زوج ، ولا أهل ؛ بل إما أن تبقى معك في بيتك ، وفي حبالك ، وإما أن تعود إلى أهلها ، وتبلغها مأمنها ، والمأمن عليها .

وأخيرا نوصيك بالحرص على الدعاء ، فهو ذخيرتك عند ربك ، ولا ينبغي أن تزهد في نتيجته ، فهي عند الله دائما أجر وفضل بإذنه سبحانه ، وأكثر من الاستغفار وعمل الصالحات ، لعل الله تعالى يكتب بها الهداية لزوجتك .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب