الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

ما صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام : ( لتقاتلنّ عليًّا وأنت ظالمٌ له )؟

237931

تاريخ النشر : 23-01-2016

المشاهدات : 56241

السؤال


ورد حديث عن الرسول في أحد الكتب عن موقعة الجمل : أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، بهمدان ، ثنا عثمان بن خزرزاذ الأنطاكي ، ثنا ربيعة بن الحارث ، حدثني محمد بن سليمان العابد ، ثنا إسماعيل بن أبي حازم قال : " قال علي للزبير : أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار ، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتحبه ؟ ) ، فقلت : وما يمنعني ؟ قال : ( أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم ) قال : فرجع الزبير " . زور الكثير من الحقائق في هذه الفترة من قبل أهل الفتنه فهل هذه الحادثة صحيحة ، وهل الحديث الوارد فيها صحيح ؟

الجواب

الحمد لله.


هذا الحديث المذكور قد روي من طرق متعددة ، لا يصح منها شيء :
فرواه الحاكم (5575) من طريق مِنْجَاب بْن الْحَارِثِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ قَالَ مِنْجَابٌ: وَسَمِعْتُ فَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ، يُحَدِّثُ بِهِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: " شَهِدْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، لَمَّا رَجَعَ الزُّبَيْرُ عَلَى دَابَّتِهِ يَشُقُّ الصُّفُوفَ، فَعَرَضَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: ذَكَرَ لِي عَلِيٌّ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ) فَلَا أُقَاتِلُهُ، قَالَ: وَلِلْقِتَالِ جِئْتَ؟ إِنَّمَا جِئْتَ لِتُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُصْلِحُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ بِكَ، قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُقَاتِلَ، قَالَ: فَأَعْتِقْ غُلَامَكَ جِرْجِسَ وَقِفْ حَتَّى تُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَأَعْتَقَ غُلَامَهُ جِرْجِسَ وَوَقَفَ فَاخْتَلَفَ أَمَرُ النَّاسِ، فَذَهَبَ عَلَى فَرَسِهِ ".

ولمنجاب بن الحارث فيه إسنادان، وهما ضعيفان ، ففي الأول منهما الأجلح الكندي والد عبد الله ، وهو ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم والنسائي ، وغيرهم .
انظر "التهذيب" (1/165-166) .
وقد رواه البيهقي في "الدلائل" (6/414) من هذا الطريق عن يزيد الفقير عن أبيه ، فزاد : عن أبيه ، وأبوه مجهول لا يعرف ، وهذه علة أخرى في هذا السند .
وفي الإسناد الثاني فضل بن فضالة ، قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (6/158): " لم أجد له ترجمة " .

ثم رواه الحاكم (5574) من طريق أبي قِلَابَةَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مُحَمَّدِ الرَّقَاشِيّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ به .
وأبو قلابة ضعيف ، قال الدارقطني: صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام في روايته.
" تهذيب التهذيب " (6 /372) .

وقد خولف فيه ، فرواه أبو يعلى (666) : حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي جِرْوٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ ... فذكره .
وهذا أصح ، لأن يعقوب بن إبراهيم ثقة حافظ ، أحفظ وأوثق من أبي قلابة ، فروايته أصح . وقد تابعه جعفر بن سليمان عند الحاكم (5576)، وجعفر ثقة .
وأبو جرو هذا قال الذهبي في " الميزان " (4/510) : " مجهول " .
ورواه الحاكم (5573) من طريق مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ الْعَابِد، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ به .
وقال الذهبي في تلخيصه : " فيه نظر " .
وعلته محمد بن سليمان ، فهو مجهول .
وقد رواه ابن أبي شيبة (15/282) حدثنا يعلى بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد السلام رجل من بني حية ، .. فذكره .
وعبد السلام هذا مجهول أيضا ، كما قال الذهبي في " الميزان " (2/619) ، ولم يسمع من الزبير ولا من عليّ ، كما قال البخاري : " لا يثبت سماعه منهما " .
"الضعفاء" للعقيلي (3 /65) .

ورواه ابن أبي شيبة (7/ 545) من طريق شَرِيك، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: " حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَقْعَصُ الْخَيْلَ بِالرُّمْحِ قَعْصًا , فَثَوَّبَ بِهِ عَلِيٌّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ , قَالَ: فَأَقْبَلَ حَتَّى الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا , قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ , أَتَذْكُرُ يَوْمَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُنَاجِيكَ فَقَالَ: (أَتُنَاجِيهِ , فَوَاللَّهِ لَيُقَاتِلَنَّكَ يَوْمًا وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ) , قَالَ: فَضَرَبَ الزُّبَيْرُ وَجْهَ دَابَّتِهِ فَانْصَرَفَ " .
وهذا ضعيف أيضا ، شريك هو ابن عبد الله القاضي ، ضعيف سيء الحديث ، وفيه تشيع معروف . انظر"الميزان" (2/270-272)
ثم هو يرويه عن الأسود بن قيس عن رجل مجهول .

ورواه معمر في "جامعه" (11/241) عن قتادة قال : " لَمَّا وَلَّى الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ ، بَلَغَ عَلِيًّا فَقَالَ : لَوْ كَانَ ابْنُ صَفِيَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ مَا وَلَّى ، قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: ( أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟ ) ، فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟) قَالَ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى لِذَلِكَ ".
وهذا ضعيف لإرساله .

فكل طرق هذا الحديث معلولة ، وقد قال العقيلي: " لَا يُرْوَى هَذَا الْمَتْنُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ "
انتهى من "الضعفاء" (3 /65) .

ولم يخرج الزبير رضي الله عنه ، ولا غيره من الصحابة ، يوم الجمل لإرادة القتال ، وإنما للإصلاح بين الناس ، ولكن وقع القتال بغير اختيارهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ ، وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ ، وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ، فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلُوا دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ .
هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ " انتهى من"منهاج السنة النبوية" (4/ 316) .

والواجب الكف عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من خلاف أو قتال ، وهم في ذلك بين مجتهد مصيب له أجران ، ومجتهد مخطئ له أجر ، وخطؤه مغفور له .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب